الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
الموسوعة الفقهية / الجزء الخامس عشر
1 - الثّأر: الدّم، أو الطّلب بالدّم، يقال: ثأرت القتيل وثأرت به فأنا ثائر، أي قتلت قاتله والثّأر: الذّحل، يقال: طلب بذحله، أي بثأره وفي الحديث الشّريف: «إنّ من أعتى النّاس على اللّه يوم القيامة ثلاثة: رجل قتل غير قاتله، ورجل قتل في الحرم، ورجل أخذ بذحول الجاهليّة». ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ الثّاني وهو طلب الدّم.
القصاص: 2 - القصاص: القود، وهو القتل بالقتل، أو الجرح بالجرح. والفرق بين الثّأر والقصاص أنّ القصاص يدلّ على المساواة في القتل أو الجرح، أمّا الثّأر فلا يدلّ على ذلك بل ربّما دلّ على المغالاة لما في معناه من انتشار الغضب، وطلب الدّم وإسالته. الثّأر في الجاهليّة: 3 - تزخر كتب التّاريخ والتّفسير والسّنن بذكر عادات الجاهليّة في الثّأر، وكلّها تؤكّد أنّ عادة الثّأر كانت متأصّلة عند العرب قبل الإسلام، وأنّ الثّأر كان شائعا ذائعا حيث كان نظام القبيلة يقوم مقام الدّولة، وكلّ قبيلة تفاخر بنسبها وحسبها وقوّتها، وتعتبر نفسها أفضل من غيرها، وكانت العلاقة بين القبائل خاضعة لحكم القوّة، فالقوّة هي القانون، والحقّ للقويّ ولو كان معتديا، والاعتداء على أحد أفراد القبيلة يعتبر اعتداء على القبيلة بأجمعها، يتضامن أفرادها في الانتقام ويسرفون في الثّأر، فلا تكتفي قبيلة المقتول بقتل الجاني، لأنّها تراه غير كفء لمن فقدوه. وكان ذلك سببا في نشوب الحروب المدمّرة الّتي استغرقت الأعوام الطّوال. 4 - وكانوا في الجاهليّة يزعمون أنّ روح القتيل الّذي لم يؤخذ بثأره تصير هامة فترقو عند قبره: وتقول: اسقوني، اسقوني من دم قاتلي، فإذا أخذ بثأره طارت. وهذا أحد تأويلين في حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا صفر ولا هامة» كما يقول الدّميريّ في كتابه (حياة الحيوان). وكان العرب من حرصهم على الثّأر وإسرافهم فيه، وخوفهم من العار إذا تركوه يحرّمون على أنفسهم النّساء، والطّيب، والخمر حتّى ينالوا ثأرهم، ولا يغيّرون ثيابهم ولا يغسلون رءوسهم، ولا يأكلون لحما حتّى يشفوا أنفسهم بهذا الثّأر. 5- وظلّ العرب متأثّرين بهذه العادة حتّى بعد ظهور الإسلام، يروي الشّافعيّ والطّبريّ عن السّدّيّ عن أبي مالك قال: كان بين حيّين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطّول فكأنّهم طلبوا الفضل، فأصلح بينهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما نزل عليه من قول اللّه تعالى: {الحُرُّ بِالحُرِّ والعَبْدُ بالعَبْدِ}.
6 - أ - حرّم الإسلام قتل النّفس ابتداء بغير حقّ لحرمة النّفس الإنسانيّة، فقال تعالى: {ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلاّ بِالحَقِّ}. وبيّن النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحقّ الّذي يقتل به المسلم فقال: «لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني، والمفارق لدينه التّارك للجماعة». 7- ب - أباح الإسلام الأخذ بالثّأر على سبيل القصاص بشروطه المفصّلة في مصطلح: قصاص وجناية على النّفس وجناية على ما دون النّفس. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قتل له قتيل فهو بخير النّظرين، إمّا أن يودى وإمّا أن يقاد» وقال أبو عبيد: إمّا أن يقاد أهل القتيل، قال ابن حجر: أي يؤخذ لهم بثأرهم. هذا وإنّ استيفاء القصاص لا بدّ له من إذن الإمام، فإن استوفاه صاحب الحقّ بدون إذنه وقع موقعه، وعزّر لافتياته على الإمام. وصرّح الزّرقانيّ بأنّ التّعزير يسقط إذا علم وليّ المقتول أنّ الإمام لا يقتل القاتل، فلا أدب عليه في قتله ولو غيلة، ولكن يراعي فيه أمن الفتنة والرّذيلة. 8- ج - إباحة الإسلام للثّأر مقيّدة بعدم التّعدّي على غير القاتل، ولذلك حرّم الإسلام ما كان شائعا في الجاهليّة من قتل غير القاتل، ومن الإسراف في القتل، لما في ذلك من الظّلم والبغي والعدوان. قال اللّه تعالى: {ومَنْ قُتِلَ مَظْلُومَا فَقَد جَعَلْنَا لِوَلِيِّه سُلْطَانَا فلا يُسْرِفْ في القَتْلِ}، قال المفسّرون: أي فلا يسرف الوليّ في قتل القاتل بأن يمثّل به، أو يقتصّ من غير القاتل، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ من أعتى النّاس على اللّه يوم القيامة ثلاثة: رجل قتل غير قاتله»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أبغض النّاس إلى اللّه ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دم امرئ بغير حقّ ليهريق دمه»، قال ابن حجر: «ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة» أي يكون له الحقّ عند شخص فيطلبه من غيره.
9 - أ - القصاص يقتصر فيه على الجاني فلا يؤخذ غيره بجريرته، في حين أنّ الثّأر لا يبالي وليّ الدّم في الانتقام من الجاني أو أسرته أو قبيلته. وبذلك يتعرّض الأبرياء للقتل دون ذنب جنوه. 10 - ب - القصاص يردع القاتل عن القتل لأنّه إذا علم أنّه يقتصّ منه كفّ عن القتل بينما الثّأر يؤدّي إلى الفتن والعداوات. يقول ابن تيميّة: إنّ أولياء المقتول تغلي قلوبهم بالغيظ حتّى يؤثروا أن يقتلوا القاتل وأولياءه، وربّما لم يرضوا بقتل القاتل، بل يقتلون كثيرا من أصحاب القاتل كسيّد القبيلة ومقدّم الطّائفة، فيكون القاتل قد اعتدى في الابتداء، وتعدّى هؤلاء في الاستيفاء كما كان يفعله أهل الجاهليّة الخارجون عن الشّريعة في هذه الأوقات من الأعراب، والحاضرة وغيرهم، وقد يستعظمون قتل القاتل لكونه عظيما أشرف من المقتول، فيفضي ذلك إلى أنّ أولياء المقتول يقتلون من قدروا عليه من أولياء القاتل، وربّما حالف هؤلاء قوما واستعانوا بهم وهؤلاء قوما فيفضي إلى الفتن والعداوات العظيمة. وسبب ذلك خروجهم عن سنن العدل الّذي هو القصاص في القتلى، فكتب اللّه علينا القصاص، وهو المساواة، والمعادلة في القتلى، وأخبر أنّ فيه حياة فإنّه يحقن دم غير القاتل من أولياء الرّجلين، وأيضا فإذا علم من يريد القتل أنّه يقتل كفّ عن القتل. قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، ألا لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده».
التّعريف 1 - الثّبوت مصدر ثبت الشّيء يثبت ثباتا وثبوتا إذا دام واستقرّ فهو ثابت. وثبت الأمر صحّ، ويتعدّى بالهمز والتّضعيف، فيقال: أثبته وثبّته، ورجل ثبت أي متثبّت في أموره، ورجل ثبت إذا كان عدلا ضابطا، والجمع أثبات. ويقال: ثبت فلان في المكان إذا أقام به. ولا يخرج استعماله اصطلاحا عن الدّوام والاستقرار والضّبط. ومنه ثبوت النّسب مثلا يقصد به استقرار النّسب ولزومه على وجه تترتّب عليه آثاره الشّرعيّة. بشروط خاصّة.
ثبوت النّسب: 2 - ثبوت النّسب من آثار عقد النّكاح لقوله عليه الصلاة والسلام: «الولد للفراش». ويثبت النّسب بالإقرار به، وباستلحاق الولد، وبالبيّنة. وينظر تفصيل ذلك في (نسب، إقرار، استلحاق). ثبوت الشّهر: 3 - يعتمد في ثبوت الشّهر في السّنة القمريّة على أمرين: الأوّل: رؤية الهلال. والثّاني: إكمال عدّة الشّهر قبله ثلاثين يوما، إن غمّ الهلال في ليلة الثّلاثين منه. ويغمّ الهلال بأن تكون السّماء مغيّمة في آخر الشّهر، أو حال دون رؤيته قتر أو غبار، فأمّا إذا كانت السّماء مصحية فلا يتوقّف ثبوته على إكمال ثلاثين، بل تارة يثبت بإكمال العدّة إذا لم ير الهلال، وتارة يثبت برؤية الهلال ليلة الثّلاثين. وتثبت الرّؤية لدى الحاكم بشهادة عدلين في غير رمضان، أمّا في رمضان فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه، فذهب بعضهم إلى اشتراط عدلين، واكتفى البعض بشهادة عدل واحد. ويترتّب على ثبوت الشّهر جملة من الأحكام: كوجوب صيام رمضان بثبوت شهر رمضان، وكالفطر بثبوت شهر شوّال، وكالحجّ بثبوت أشهره. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: شهر رمضان - شهادة - حجّ. ثبوت الحقوق: 4 - ثبوت الحقوق لأصحابها شرعا يعتمد على ثبوت ما قامت عليه من أدلّة وبيّنات، سواء الحقوق المتعلّقة بالمال، أو الحقوق المتعلّقة بالنّفس. وبحث الفقهاء ثبوتها في أبواب الدّعاوى، والبيّنات، والقضاء، والشّهادة، والإقرار، والأيمان. وتقدّم تفصيل أحكامها في مصطلح: (إثبات). وتنظر أحكامها في مظانّها من كتب الفقه. ثبوت الحديث: 5 - الحديث هو الأصل الثّاني من الأدلّة الشّرعيّة ويعتمد في ثبوته على أن يكون مسندا، وأن يتّصل إسناده بنقل العدل الضّابط عن العدل الضّابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذّا، ولا معلّا. ويتنوّع الحديث الثّابت المقبول إلى الصّحيح بنفسه والصّحيح لغيره، وإلى الحسن بنفسه والحسن لغيره. ويقدح في ثبوت الحديث أن يكون معلّا. وأسباب ضعف الحديث: الإرسال، والانقطاع، والتّدليس، والشّذوذ، والنّكارة، والاضطراب، والّتي تشملها أنواع الحديث الضّعيف، والموضوع. ومن صفات راوي الحديث الثّابت المقبول أن يكون ثبتا أي عدلا ضابطا، ولهذا كان من ألفاظ التّعديل ما وصف بأفعل كأثبت النّاس، أو إليه المنتهى في التّثبّت، ويلي هذه الدّرجة من وصف بصفتين كقولهم: ثبت ثبت، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط، ممّا يفيد تثبّته في النّقل وضبطه لما تلقّاه وسمعه من شيوخه.
انظر: رباط.
انظر: مياه، تيمّم.
1 - الثّمار لغة جمع ثمر، والثّمر: حمل الشّجر. ويطلق الثّمر أيضا على أنواع المال. واصطلاحا: اسم لكلّ ما يستطعم من أحمال الشّجر. قاله صاحب الكلّيّات، وقال ابن عابدين في حاشيته: الثّمر الحمل الّذي تخرجه الشّجرة وإن لم يؤكل فيقال: ثمر الأراك والعوسج، كما يقال ثمر العنب والنّخل. قال: وفي الفتح: ويدخل في الثّمرة الورد والياسمين ونحوهما من المشمومات، وقد عرّفه في موضع آخر بتعريف صاحب الكلّيّات وشهّره. وقال الشّيخ محمّد الدّسوقيّ في حاشيته: الثّمار الفواكه.
أ - الفواكه: 2 - الفواكه لغة أجناس الفاكهة وهي اسم لما يؤكل على سبيل التّفكّه أي التّنعّم بأكله والالتذاذ به فالفواكه أخصّ من الثّمار. ب - الزّروع: 3 - الزّروع جمع زرع وهو ما استنبت بالبذر، سمّي بالمصدر، يقال زرع الحبّ يزرعه زرعا وزراعة إذا بذره. وقد غلب على البرّ والشّعير. وقيل: الزّرع نبات كلّ شيء يحرث. 4 - بعض الثّمار من الأموال الزّكويّة على خلاف وتفصيل فيما تجب فيه الزّكاة، وللثّمار أحكام خاصّة في البيع، والرّهن، والشّفعة، والسّرقة، كما سيأتي: أ - الثّمار الّتي تجب فيها الزّكاة: 5 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا زكاة في ثمر إلاّ التّمر والزّبيب لكونهما من القوت. وأوجب الحنابلة الزّكاة في كلّ ثمر يكال ويدّخر، كالتّمر، والزّبيب، واللّوز، والفستق، والبندق. وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنّ الزّكاة تجب في جميع أنواع الثّمار - الّتي يقصد بزراعتها نماء الأرض - لقوله تعالى: {يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا أنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ومِمَّا أخْرَجْنَا لَكم مِن الأرضِ} ولأنّ السّبب هي الأرض النّامية وقد تستنمى بما لا يبقى فيجب العشر كالخراج. وعند الصّاحبين تجب الزّكاة في الثّمار الّتي لها ثمرة باقية لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس في الخضراوات صدقة». ب - نصاب الثّمار: 6 - اختلف الفقهاء في اعتبار النّصاب في زكاة الثّمار: فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وأبو يوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة إلى اعتبار النّصاب في وجوب الزّكاة في الثّمار، وهو عندهم خمسة أوسق، فلا تجب الزّكاة فيما دونها. وممّا استدلّوا به قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة». وذهب أبو حنيفة إلى عدم اعتبار النّصاب في وجوب الزّكاة فتجب الزّكاة عنده في كثير الخارج وقليله. وممّا استدلّ به عموم قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُم ومِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِن الأرْضِ}. ج - وقت وجوب الزّكاة في الثّمار: 7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الزّكاة تجب في الثّمار ببدوّ صلاحها، لأنّها حينئذ ثمرة كاملة. والمراد بالوجوب هنا هو انعقاد سبب وجوب إخراج التّمر والزّبيب عند الصّيرورة كذلك، وليس المراد بوجوب الزّكاة وجوب إخراجها في الحال. وعن أبي حنيفة رواية أخرى أنّ وقت الوجوب هو وقت ظهور الثّمر محتجّا بقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِن الأرْضِ}. قال: أمر اللّه تعالى بالإنفاق ممّا أخرجه من الأرض فدلّ أنّ الوجوب متعلّق بالخروج. وذهب أبو يوسف إلى أنّ وقت الوجوب هو وقت استحقاق الحصاد والإدراك لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّه يَومَ حَصَادِهِ} ويوم حصاده يوم إدراكه فكان هو وقت الوجوب. وذهب محمّد إلى أنّه وقت الجذاذ لأنّ حال الجذاذ هي حال تناهي عظم الثّمر واستحكامه فكانت هي حال الوجوب. د - القدر الواجب في زكاة الثّمر: 8 - اتّفق الفقهاء على وجوب العشر في الثّمار الّتي تسقى بغير مؤنة كالّذي يسقى بالغيث، والسّيول، والأنهار، والسّوّاقي الّتي يجري فيها الماء من الأنهار بلا آلة، وما يشرب بعروقه لقربه من الماء. ويجب نصف العشر فيما سقي منها بمؤنة كالدّالية، والنّاعورة، والسّانية. لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السّماء والعيون أو كان عثريّا العشر، وما سقي بالنّضح نصف العشر». وفي زكاة الثّمار تفصيلات يرجع إليها في مصطلح: (زكاة).
9 - بيع الثّمار إمّا أن يكون قبل ظهورها أو بعده. وإذا بيعت بعد ظهورها فإمّا أن يكون قبل بدوّ الصّلاح أو بعده، وتفصيل ذلك فيما يلي: أ - بيع الثّمار قبل ظهورها: 10 - أجمع الفقهاء على عدم صحّة بيع الثّمار قبل ظهورها لأنّها معدومة. وبيع المعدوم غير جائز للغرر. ب - بيع الثّمار بعد ظهورها وقبل بدوّ الصّلاح: 11 - بيع الثّمار قبل بدوّ صلاحها لا يخلو من ثلاثة أحوال: إحداها: أن يكون البيع بشرط التّبقية، وحينئذ لا يصحّ البيع بالإجماع لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الثّمار حتّى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع» والنّهي يقتضي فساد المنهيّ عنه. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث. ثانيتها: أن يكون البيع بشرط القطع في الحال فيصحّ البيع بالإجماع. لأنّ المنع إنّما كان خوفا من تلف الثّمرة وحدوث العاهة عليها قبل أخذها بدليل ما روى أنس أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع ثمر التّمر حتّى يزهو. قال: أرأيت إن منع اللّه الثّمر، بم تستحلّ مال أخيك» وهذا مأمون فيما يقطع فصحّ بيعه كما لو بدا صلاحه. ثمّ إنّ صحّة هذا البيع ليست على إطلاقها، بل هي مشروطة بشروط، بعضها متّفق عليه، من حيث الجملة، وبعضها مختلف فيه. فالّذي اتّفقوا عليه من حيث الجملة الانتفاع، أي أن تكون الثّمار المقطوعة منتفعا بها. والجمهور على أنّه يجب أن تكون منتفعا بها عند القطع، والحنفيّة على مطلق الانتفاع. وذهب الجمهور إلى أنّ القطع يجب أن يكون في الحال، وأجاز المالكيّة أن يكون قريبا منه لكن بحيث لا يزيد ولا ينتقل من طوره إلى طور آخر. وزاد المالكيّة شرطين آخرين هما: الحاجة، وعدم التّمالؤ. وسواء كانت الحاجة متعلّقة بأحد المتبايعين أو بكليهما. والمراد بالتّمالؤ اتّفاقهم ولو باعتبار العادة، فإن تمالأ عليه الأكثر بالفعل منع. وشرط الحنابلة أن لا يكون الثّمر مشاعا، بأن يشتري نصف الثّمرة قبل بدوّ صلاحها مشاعا، لأنّه لا يمكنه قطع ما يملكه إلاّ بقطع ما لا يملكه. وليس له ذلك. ثالثتها: أن يكون البيع مطلقا - أي لا يذكر قطعا ولا تبقية - واختلف الفقهاء في هذه الحالة، فذهب الجمهور " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى بطلان البيع لإطلاق النّهي عن بيع الثّمرة قبل بدوّ صلاحها. وذهب الحنفيّة إلى التّفريق بين أن يكون الثّمر منتفعا به أو غير منتفع به، فقالوا: إن كان الثّمر بحال لا ينتفع به في الأكل، ولا في علف الدّوابّ، فالصّحيح أنّه لا يجوز على خلاف لبعض المشايخ. وإن كان بحيث ينتفع به، فالبيع جائز باتّفاق أهل المذهب، واستثنى الفقهاء من عدم جواز بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه ما إذا بيع الثّمر مع الأصل، وذلك بأن يبيع الثّمرة مع الشّجر، لأنّه إذا بيع مع الأصل دخل تبعا في البيع فلم يضرّ احتمال الغرر فيه، كما احتملت الجهالة في بيع اللّبن في الضّرع مع الشّاة، والنّوى في التّمر مع التّمر، ولأنّ الثّمرة هنا تبع للأصل وهو غير متعرّض للعاهة. وأجاز المالكيّة كذلك بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه إذا ألحق بأصله المبيع، سواء أكان الإلحاق قريباً أم بعيداً. ج - بيع الثّمار بعد بدوّ الصّلاح: 12 - اتّفق الفقهاء على جواز بيع الثّمار بعد بدوّ صلاحها مطلقا، وبشرط قطعها، وبشرط إبقائها، «لأنّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثّمرة قبل بدوّ صلاحها». فيجوز بعد بدوّه وهو صادق بكلّ من الأحوال الثّلاثة. والفارق أمن العاهة بعد بدوّ الصّلاح غالبا لغلظها وكبر نواها. وقبله تسرع إليه لضعفه فيفوت بتلفه الثّمن. ثمّ إنّ معنى بدوّ الصّلاح مختلف فيه بين الجمهور والحنفيّة، فبدوّ الصّلاح عند الجمهور هو ظهور مبادئ النّضج والحلاوة بأن يتموّه ويلين فيما لا يتلوّن، وأن يأخذ في الحمرة، أو السّواد، أو الصّفرة فيما يتلوّن. وهو عند الحنفيّة أن تؤمن العاهة والفساد.
13 - اختلف الفقهاء في جواز بيع الثّمار المتلاحقة الظّهور: فذهب الحنفيّة في ظاهر الرّواية والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم الجواز لأنّ ما لم يظهر منها معدوم، «ونهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان»، ولعدم القدرة على تسليمه، ثمّ هي ثمرة لم تخلق فلم يجز بيعها كما لو باعها قبل ظهور شيء منها. واستثنى الشّافعيّة ما لو حصل الاختلاط قبل التّخلية فيما يغلب فيه التّلاحق والاختلاط، أو فيما يندر فيه، فإنّه حينئذ لا ينفسخ البيع لبقاء عين المبيع ; ولإمكان تسليمه، ويخيّر المشتري بين الفسخ والإجازة ; لأنّ الاختلاط عيب حدث قبل التّسليم. وذهب متأخّرو الحنفيّة والمالكيّة إلى الجواز ; لأنّ ذلك يشقّ تمييزه فجعل ما لم يظهر تبعا لما ظهر، كما أنّ ما لم يبد صلاحه تبع لما بدا. غير أنّ المالكيّة قصروا الجواز على الثّمار المتتابعة، فيجوز حينئذ بيع سائر البطون ببدوّ صلاح الأوّل، أمّا إذا كانت منفصلة فلا يجوز بيع الثّاني بصلاح الأوّل اتّفاقا. والحنفيّة إنّما أجازوا ذلك للضّرورة. قالوا: والنّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّما رخّص في السّلم للضّرورة مع أنّه بيع للمعدوم فحيث تحقّقت الضّرورة هنا أيضا أمكن إلحاقه بالسّلم بطريق الدّلالة، فلم يكن مصادما للنّصّ، فلذا جعلوه من الاستحسان، وما ضاق الأمر إلاّ اتّسع، ولا يخفى أنّ هذا مسوّغ للعدول عن ظاهر الرّواية.
14 - اختلف الفقهاء في الثّمار الّتي تكون على الشّجر عند بيعه، هل هي للبائع أم للمشتري. فذهب الحنفيّة والأوزاعيّ إلى أنّها للبائع إلاّ أن يشترطها المشتري فتكون له وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبّر فثمرتها للّذي باعها إلاّ أن يشترط المبتاع» ولأنّ هذا نماء له حدّ، فلم يتبع أصله في البيع كما لا يتبع الزّرع في الأرض. ويؤمر البائع بقطع الثّمر وإن لم يظهر صلاحه إذا لم يشترطه المشتري، وتسليم الشّجر عند وجوب تسليمه، لأنّ ملك المشتري مشغول بملك البائع، فيجبر على تسليمه فارغا. وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري وذلك لأنّها متّصلة بالأصل اتّصال خلقة، فكانت تابعة له كالأغصان. وذهب الجمهور إلى التّفريق بين أن يكون الثّمر مؤبّرا أو غير مؤبّر: فقرّروا أنّه إن كانت الثّمرة مؤبّرة فهي للبائع، وإن كانت غير مؤبّرة فهي للمشتري إلاّ أن يشترطها أحد المتبايعين فهي له مؤبّرة كانت أو غير مؤبّرة، وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبّر فثمرتها للّذي باعها، إلاّ أن يشترط المبتاع» فإنّه جعل التّأبير حدّا لملك البائع للثّمرة، فيكون ما قبله للمشتري، وإلاّ لم يكن حدّا، ولا كان ذكر التّأبير مفيدا، ولأنّه نماء كامن لظهوره غاية، فكان تابعا لأصله قبل ظهوره، وغير تابع له بعد ظهوره كالحمل في الحيوان. إلاّ أنّ المالكيّة منعوا أن يشترط البائع الثّمر غير المؤبّر، وذلك لأنّ اشتراطه له بمنزلة شرائه له قبل بدوّ صلاحه بشرط التّرك، وهو غير جائز. واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة لما ذهبوا إليه من جواز اشتراط البائع الثّمر غير المؤبّر، بأنّه استثنى بعض ما وقع عليه العقد وهو معلوم، فصحّ كما لو باع بستانا واستثنى نخلة بعينها، ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم» ولأنّه أحد المتبايعين فصحّ اشتراطه للثّمرة كالمشتري وقد ثبت الأصل بالاتّفاق عليه وبقوله صلى الله عليه وسلم «إلاّ أن يشترطها المبتاع». 15 - ثمّ إنّ الجمهور اختلفوا فيما بينهم في حالة ما إذا أبّر بعض الشّجر دون بعض: فذهب الشّافعيّة إلى أنّها كلّها للبائع كما لو أبّرت كلّها لما في تتبّع ذلك من العسر، ولأنّا إذا لم نجعل الكلّ للبائع أدّى إلى الإضرار باشتراك الأيدي في البستان، فيجب أن يجعل ما لم يؤبّر تبعا لما أبّر، كثمرة النّخلة الواحدة، فإنّه لا خلاف في أنّ تأبير بعض النّخلة يجعل جميع ثمرها للبائع. وذهب الحنابلة إلى أنّ ما أبّر فللبائع وما لم يؤبّر فللمشتري، سواء كان من نوع ما تشقّق أو غيره. وذهب المالكيّة إلى التّفريق بين أن يكون المؤبّر النّصف وما قاربه، وبين أن يكون أقلّ أو أكثر من النّصف، فإن كان المؤبّر أكثر من النّصف فهي للبائع، والعقد حينئذ على الأصول لا يتناول تلك الثّمرة، والقول قوله في أنّ التّأبير كان قبل العقد إن نازعه المشتري وادّعى حدوثه بعده. وإن كان المؤبّر أقلّ من النّصف فالثّمرة للمشتري. وأمّا إن كان المؤبّر النّصف أو ما قاربه فلكلّ حكمه أي إنّ ما أبّر للبائع، وما لم يؤبّر للمشتري، وهذا إذا كان النّصف معيّنا بأن كان ما أبّر في نخلات بعينها، وما لم يؤبّر في نخلات بعينها. وأمّا إن كان النّصف المؤبّر شائعا في كلّ نخلة، وكذلك ما لم يؤبّر شائعا، ففيه عندهم خمسة أقوال: فقيل: كلّه للبائع، وقيل: كلّه للمبتاع، وقيل: يخيّر البائع في تسليمه جميع الثّمرة وفي فسخ البيع، وقيل: البيع مفسوخ، وقيل: إنّ البيع لا يجوز إلاّ برضا أحدهما بتسليم الجميع للآخر. قال ابن العطّار: وهو الّذي به القضاء. وهذا هو الّذي رجّحه الشّيخ الدّسوقيّ وشيخه العدويّ. 16 - ثمّ إنّ الفقهاء قد اختلفوا في المقصود بالتّأبير هنا، فذهب المالكيّة إلى أنّ المقصود بالتّأبير هنا هو بروز جميع الثّمرة عن موضعها وتميّزها عن أصلها وذلك في غير النّخل من الثّمار. وأمّا في النّخل فهو تعليق طلع الذّكر على الأنثى. ولم يخالف الشّافعيّة المالكيّة في معنى التّأبير المضاف للنّخل، وفصّلوا في غيره من الثّمار. فقالوا: إن كان الثّمر بلا نور، كتين وعنب فالاعتبار بالبروز، فإن برز الثّمر فهو للبائع، وإن لم يبرز فهو للمشتري. وإن كان الثّمر بنور فإنّه يكون في حالة واحدة للبائع وهي أن يسقط النّور وتكون الثّمرة بارزة فهي حينئذ للبائع، أمّا إن سقط النّور ولم تنعقد الثّمرة، أو انعقدت ولم يسقط النّور فهي حينئذ للمشتري، لأنّها في حالة سقوط النّور وعدم انعقادها كالمعدومة، وفي حالة انعقادها وعدم سقوط النّور كالطّلع قبل تشقّقه، لأنّ استتارها بالنّور بمنزلة استتار ثمرة النّخل بأكمامه. وذهب الحنابلة إلى أنّ المقصود بالتّأبير هنا هو ظهور الثّمر مطلقا وذلك في غير النّخل. وأمّا في النّخل فهو تشقّق طلعه وإن لم يؤبّر، فالحكم عندهم منوط بالتّشقّق.
17 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى وضع الجوائح في الثّمار المبيعة، فإذا تلفت الثّمار بجائحة سماويّة كانت من ضمان البائع، سواء أتت الجائحة على كلّ الثّمار أم بعضها لحديث جابر «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح» ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة، فلا يحلّ لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حقّ». ثمّ إنّ المالكيّة اشترطوا لوضع الجوائح أن تصيب الجائحة ثلث الثّمار فأكثر، فإن أصابت أقلّ من الثّلث لم يوضع عن المشتري شيء، وإذا أصابته الثّلث فأكثر لزم المشتري قيمتها بعد حطّ ما أصابته الجائحة، واستثنوا من ذلك الجائحة من العطش فيوضع قليلها وكثيرها سواء بلغت الثّلث أم لا. وفرّق الشّافعيّة في وضع الجوائح بين أن تكون الجائحة قبل التّخلية أو بعدها. فقالوا: إن تلفت الثّمار بجائحة قبل التّخلية فهي من ضمان البائع وينفسخ البيع، وهذا فيما إذا أتت الجائحة على كلّ الثّمار، أمّا إذا أتت على بعضها فإنّه ينفسخ من العقد بقدر التّالف، ويخيّر المشتري في الباقي. وإن تلفت بعد التّخلية، فهي من ضمان المشتري لقبضه بالتّخلية. قالوا: والأمر في خبر مسلم بوضع الجوائح محمول على النّدب، أو على ما قبل التّخلية جمعا بين الأدلّة.
18 - اتّفق الفقهاء على جواز رهن الثّمار سواء ما كانت على الشّجر أم لا، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الرّهن بعد بدوّ الصّلاح أو قبله، وذلك لأنّ النّهي عن البيع قبل بدوّ الصّلاح إنّما كان لعدم الأمن من العاهة وهذا مفقود هنا، وبتقدير تلفها لا يفوت حقّ المرتهن من الدّين لتعلّقه بذمّة الرّاهن. وأجاز المالكيّة رهن الثّمار الّتي لم تخلق بعد. ثمّ إنّ الحنفيّة لم يجوّزوا رهن الثّمر بدون الشّجر، أو الشّجر بدون الثّمر بناء على أصل عندهم وهو أنّ المرهون متى اتّصل بغير المرهون خلقة لا يجوز لامتناع قبض الرّهن وحده، وعلى ذلك فلو رهن شجرا وفيه ثمر لم يسمّه في الرّهن دخل في الرّهن تصحيحا للعقد، وقد فصّل الشّافعيّة في رهن الثّمار، وفرّقوا بين أن تكون الثّمار مع الشّجر أو وحدها، وبين أن يكون الثّمر ممّا يتسارع فساده أو لا، فقرّروا أنّ رهن الثّمار على الشّجر له حالان، أحدهما: أن يرهن الثّمر مع الشّجر، وحينئذ فإن كان الثّمر ممّا يمكن تجفيفه صحّ الرّهن مطلقا، أي سواء أبدا فيه الصّلاح أم لا، وسواء كان الدّين حالّا أو مؤجّلا. وإن كان ممّا لا يمكن تجفيفه فسد الرّهن إلاّ في ثلاث مسائل هي: أن يرهنه بدين حالّ، أو مؤجّل يحلّ قبل فساده، أو يحلّ بعد فساده، أو معه، لكن بشرط بيعه عند إشرافه على الفساد وجعل الثّمن رهنا مكانه. الثّاني: رهن الثّمر وحده. فإن كان لا يحفظ بالجفاف فهو كالّذي يتسارع إليه الفساد، وقد تقدّم حكمه، وإن كان يتجفّف فهو على ضربين: الضّرب الأوّل: أن يرهن قبل بدوّ الصّلاح، فإن رهن بدين حالّ وشرط قطعه وبيعه جاز، وإن أطلق جاز أيضا، وإن رهن بمؤجّل نظر، إن كان يحلّ قبل بلوغ الثّمر وقت الإدراك أو بعده جاز الرّهن، إلاّ أنّ الجواز في حالة ما قبل بلوغه وقت الإدراك مقيّد بشرط القطع، أمّا إذا رهنها مطلقا لم يصحّ. الضّرب الثّاني: أن يرهن بعد بدوّ الصّلاح. فيجوز بشرط القطع مطلقا إن رهن بحالّ أو مؤجّل هو في معناه. وإن رهنه بمؤجّل يحلّ قبل بلوغ الثّمر وقت الإدراك، فعلى ما سبق في الضّرب الأوّل.
19 - الشّفعة في العقار ثابتة، لخبر جابر رضي الله عنه «قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالشّفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرّفت الطّرق فلا شفعة» وفي رواية له «في أرض أو ريع أو حائط». واختلف الفقهاء في جريان الشّفعة في الثّمر، سواء بيع مع الأصل أم مفردا.
20 - ذهب الفقهاء إلى ثبوت الشّفعة في الثّمر إذا بيع مع الأصل، لتبعيّته له عند الجمهور، وقال الحنفيّة: يأخذ الشّفيع الأرض مع ثمرها إذا كان المشتري اشترى الأرض مع ثمرها بأن شرطه في البيع أو أثمر الشّجر عند الشّراء، قالوا: لأنّ الثّمر لا يدخل في البيع إلاّ بالشّرط، لأنّه ليس بتبع، والقياس أن لا يكون له أخذ الثّمر لعدم التّبعيّة كالمتاع الموضوع فيها، ووجه الاستحسان أنّه بالاتّصال خلقة صار تبعا من وجه، ولأنّه متولّد من المبيع فيسري إليه الحقّ الثّابت في الأصل الحادث قبل الأخذ بالشّفعة. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الثّمر المؤبّر - على خلاف تقدّم في معنى التّأبير - لا يؤخذ بالشّفعة، لأنّه لا يدخل في البيع، فلا يدخل في الشّفعة، كأثاث الدّار لأنّ الشّفعة بيع في الحقيقة لكنّ الشّارع جعل للشّفيع سلطان الأخذ بغير رضا المشتري، وأمّا الثّمر غير المؤبّر فإنّه يدخل في الشّفعة، لأنّه يتبع في البيع، فتبع في الشّفعة، لأنّها بيع في المعنى.
21 - منع جمهور الفقهاء " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة " الشّفعة في الثّمر إذا بيع مفردا ; لأنّ الشّفعة لا تثبت في المنقولات عندهم، لعدم دوام الملك فيها، والشّفعة إنّما شرعت لدفع ضرر سوء الجوار على الدّوام. وذهب المالكيّة إلى جواز الشّفعة في الثّمار الّتي لها أصل أي بحيث تجنى ثمرته ويبقى أصله لكن بشرط أن تكون موجودة حين الشّراء ومؤبّرة. 22 - اختلف الفقهاء في ثمر المشفوع فيه، هل يكون للشّفيع أم للمشتري فذهب الحنفيّة إلى أنّ الثّمار للشّفيع استحسانا، سواء أكان المشتري اشترى الأرض مع ثمرها بأن شرطه في البيع، أم أثمر عند المشتري بعد الشّراء، والقياس أن لا يكون له أخذ الثّمر لعدم التّبعيّة كالمتاع الموضوع فيها، ووجه الاستحسان أنّه خلقة صار تبعا من وجه، ولأنّه متولّد من المبيع فيسري إليه الحقّ الثّابت في الأرض الحادث قبل الأخذ بالشّفعة، كالمبيعة إذا ولدت قبل القبض، فإنّ المشتري يملك الولد تبعا للأمّ كذا هذا. وللمالكيّة قولان في المسألة - حيث نقلوا قولين للإمام مالك وذلك فيما إذا بيعت الثّمرة مفردة أو مع أصلها - ونصّهما في المدوّنة - حيث قال مرّة بسقوط الشّفعة فيها إذا لم يأخذ بالشّفعة حتّى يبست الثّمار، وحينئذ فإن أخذ أصلها بالشّفعة حطّ عنه ما ينوبها من الثّمن إن أزهت أو أبّرت وقت البيع لأنّ لها حصّة حينئذ من الثّمن، ومرّة قال: له أخذها بالشّفعة ما لم تيبس أو تجذّ. ووفّق الدّردير بين القولين بحمل الأوّل على ما إذا اشتراها مفردة عن الأصل فالشّفعة تابعة فيها ما لم تيبس، فإن جذّت قبل اليبس فله أخذها، وبحمل الثّاني على ما إذا اشتراها مع الأصل، فالشّفعة ثابتة فيها ما لم تيبس أو تجذّ ولو قبل اليبس. أمّا إذا اشترى أصلها فقط وليس فيه ثمرة أو كان فيه ثمرة ولم تؤبّر بعد فهي للشّفيع، سواء أبّرت عند المشتري أم لم تؤبّر عنده، إلاّ أن تيبس أو تجذّ فتكون للمشتري. ويأخذ الشّفيع الأصول بالثّمن، ولا يحطّ عنه حصّتها منه. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الشّفيع يأخذ الشّجر بثمرة حدثت بعد البيع، ولم تؤبّر عند الأخذ، لأنّها قد تبعت الأصل في البيع، فتبعته في الأخذ، بخلاف ما إذا أبّرت عنده فلا يأخذها، لانتفاء التّبعيّة، أمّا المؤبّرة عند البيع إذا دخلت بالشّرط فلا تؤخذ، لانتفاء التّبعيّة كما سبق، فتخرج بحصّتها من الثّمن. وذهب الحنابلة إلى التّفريق بين الثّمرة الظّاهرة وغير الظّاهرة. فإن كانت الثّمرة ظاهرة فهي للمشتري وليس للشّفيع فيها حقّ، لأنّه ملكه، يبقى إلى أوان أخذه بحصاد أو جذاذ أو غيرهما. وإن كانت الثّمرة غير ظاهرة فهي للشّفيع، ومثل الثّمرة الطّاهرة وغير الظّاهرة، المؤبّرة وغير المؤبّرة. فلو كان الطّلع موجودا حال الشّراء غير مؤبّر، ثمّ أبّر عند المشتري فهو له مبقى إلى أوان جذاذه، لكن يأخذ الشّفيع الأرض والنّخل بحصّتها من الثّمن، لأنّه فات عليه بعض ما شمله عقد الشّراء، وهو الطّلع الّذي لم يؤبّر حال العقد فهو كما لو شمل الشّراء الشّقص وعرضا معه.
23 - أجاز جمهور الفقهاء المزارعة والمساقاة وهما العمل في الأرض أو الشّجر مقابل جزء معلوم من الثّمرة الخارجة منهما، لما ثبت «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع». قال أبو جعفر محمّد عليّ بن الحسين «عامل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشّطر، ثمّ أبو بكر، ثمّ عمر. ثمّ عثمان، ثمّ عليّ ثمّ أهلوهم إلى اليوم يعطون الثّلث أو الرّبع» فهذا عمل به الخلفاء الرّاشدون ولم ينكره أحد فكان كالإجماع، ولأنّهما من عقد الشّركة بمال من أحد الشّريكين وعمل من الآخر فيجوز اعتبارا بالمضاربة، والجامع دفع الحاجة، فإنّ صاحب المال قد لا يهتدي إلى العمل، والمهتدي إليه قد لا يجد المال، فمسّت الحاجة إلى انعقاد هذا العقد بينهما. قال ابن جزيّ في حكم المساقاة: وهي جائزة مستثناة من أصلين ممنوعين: وهما الإجارة المجهولة، وبيع ما لم يخلق " بيع المعدوم ". وخالف أبو حنيفة في ذلك وذهب إلى عدم الجواز لما روي «أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن المخابرة»، فقيل: ما المخابرة، قال المزارعة بالثّلث والرّبع. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أرض فليزرعها أو فليزرعها أخاه، ولا يكاريها بثلث، ولا بربع، ولا بطعام مسمّى» ولأنّ الأجر مجهول أو معدوم وكلّ ذلك مفسد للعقد. غير أنّ الفتوى عند الحنفيّة على قول أبي يوسف ومحمّد بالجواز للحاجة، وقياسا على المضاربة. ومنع الشّافعيّة كذلك المزارعة بعقد منفرد. أمّا إذا أدخلت مع عقد المساقاة، وذلك بأن يكون بين النّخل بياض، فتصحّ المزارعة عندهم، ولكن بشروط. وهناك شروط لعقدي المزارعة والمساقاة وتفصيلات تنظر في مصطلح (مزارعة، مساقاة، معاملة، مخابرة).
24 - ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة في أحد القولين والشّافعيّة والحنابلة " إلى أنّه لا قطع في سرقة الثّمر المعلّق على الشّجر لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا قطع في ثمر ولا كثر». ولقوله صلى الله عليه وسلم: فيما روي عن عبد اللّه بن عمرو أنّ «رجلاً من مزينة أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، كيف ترى في حريسة الجبل ؟ فقال: هي مثلها والنّكال، وليس في شيء من الماشية قطع إلاّ فيما آواه المراح فبلغ ثمن المجنّ، ففيه قطع اليد، وما لم يبلغ ثمن المجنّ ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال. قال يا رسول اللّه، كيف ترى في الثّمر المعلّق ؟ قال: هو ومثله معه والنّكال، وليس في شيء من الثّمر المعلّق قطع، إلاّ فيما آواه الجرين، فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجنّ ففيه القطع، وما لم يبلغ ثمن المجنّ ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال». ولأنّه لا إحراز فيما على الشّجر. وذهب المالكيّة في أحد القولين إلى القطع، وهذا القول مخرّج للّخميّ على السّرقة من الشّجرة الّتي في الدّار، وأمّا القول الأوّل فهو المنصوص عليه عن الإمام مالك. ثمّ إنّ هذين القولين عند المالكيّة محلّهما ثمار الشّجر المعلّق خلقة إن كان عليه غلق، فإن لم يكن عليه غلق فلا قطع في سرقته اتّفاقا، وكذلك لا قطع اتّفاقا إن قطع ثمّ علّق ولو بغلق. واعتبر الشّافعيّة الأشجار الّتي عليها حارس يراقبها محرزة، وكذا الأشجار إن اتّصلت بجيران يراقبونها عادة، ومن ثمّ يجب القطع على سارق ثمارها عندهم. وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ أشجار أفنية الدّور محرزة وإن كانت بلا حارس. ثمّ إنّ الفقهاء اتّفقوا على أنّه إذا أحرز الثّمار وجب فيه القطع، فلو وضع الثّمر في جرين ونحوه عليه باب أو حافظ فهي محرزة على سارقها القطع. ولم يشترط المالكيّة الباب أو الحافظ، فيقطع عندهم إن سرقه من الجرين مطلقا. كما أنّهم نصّوا على أنّه إذا جذّ الثّمر ووضع في محلّ اعتبر وضعه فيه قبل وصوله إلى الجرين ثمّ سرق منه سارق ففيه أقوال ثلاثة: الأوّل: يقطع مطلقا: والثّاني: لا يقطع مطلقا، والثّالث: يقطع إن كدّس أي يجمع بعضه على بعض حتّى يصير كالشّيء الواحد، وذلك لأنّه بتكديسه أشبه ما في الجرين، ثمّ إنّ محلّ هذه الأقوال إذا لم يكن له حارس، وإلاّ قطع قولا واحدا، وأوجبه الحنابلة على سارق الثّمار المعلّق أن يضمن عوضه مرّتين لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: «سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الثّمر المعلّق. فقال: من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متّخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجنّ فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة» ولأنّ الثّمار في العادة تسبق اليد إليها، فجاز أن تغلّظ قيمتها على سارقها ردعا له وزجرا بخلاف غيرها.
1 - الثّمن لغة: ما يستحقّ به الشّيء. وفي الصّحاح: الثّمن ثمن المبيع، وفي التّهذيب: ثمن كلّ شيء قيمته. قال الزّبيديّ: قال شيخنا: اشتهر أنّ الثّمن ما يقع به التّراضي ولو زاد أو نقص عن الواقع،والقيمة ما يقاوم الشّيء، أي: يوافق مقداره في الواقع ويعادله. وقال الرّاغب: الثّمن اسم لما يأخذه البائع في مقابلة المبيع، عينا كان أو سلعة، وكلّ ما يحصّل عوضا عن شيء فهو ثمنه. والثّمن هو: مبيع بثمن. وأمّا في الاصطلاح فالثّمن، ما يكون بدلا للمبيع ويتعيّن في الذّمّة، وتطلق الأثمان أيضا على الدّراهم والدّنانير.
أ - القيمة: 2 - القيمة ما قوّم به الشّيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان. والثّمن ما تراضى عليه المتعاقدان سواء زاد على القيمة أو نقص. فالفرق بينها وبين الثّمن أنّ القيمة عبارة عن ثمن المثل، والثّمن المتراضى عليه قد يساوي القيمة أو يزيد عنها أو ينقص وينظر تفصيل أحكام ثمن المثل في (القيمة). ب - السّعر: 3 - السّعر هو الثّمن المقدّر للسّلعة، فالفرق بينه وبين الثّمن أنّ الثّمن هو ما يتراضى عليه العاقدان أمّا السّعر فهو ما يطلبه البائع.
4 - اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّ المعقود عليه " وهو الثّمن والمبيع " من أركان عقد البيع. وذهب الحنفيّة إلى أنّ ركن البيع هو الصّيغة فقط " الإيجاب والقبول " أمّا الثّمن فهو أحد جزأي محلّ عقد البيع الّذي هو " المبيع والثّمن " وليس المحلّ ركنا عند الحنفيّة. وقال الحنفيّة: إذا تفاسخ المتبايعان بعد قبض العوضين، كان للمشتري أن يحبس المبيع حتّى يردّ البائع الّذي قبضه في مقابلة المبيع، عرضا كان أو نقدا، ثمنا كان أو قيمة، لأنّ المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرّهن. فكان له ولاية أن لا يدفع المبيع إلى أن يأخذ الثّمن من البائع. وإن مات البائع في حالة التّفاسخ فالمشتري أحقّ بحبسه حتّى يستوفي الثّمن، لأنّه يقدّم عليه حال حياته، فكذا يقدّم على تجهيزه بعد وفاته.
5 - اتّفق الفقهاء على وجوب تسمية الثّمن في عقد البيع، وأن يكون مالا، ومملوكا للمشتري، ومقدور التّسليم، ومعلوم القدر والوصف، وإيضاح ذلك فيما يلي:
6 - تسمية الثّمن حين البيع لازمة، فلو باع بدون تسمية ثمن كان البيع فاسدا، لأنّ البيع مع نفي الثّمن باطل، إذ لا مبادلة حينئذ، ومع السّكوت عنه فاسد، كما ذكر الحنفيّة. فإذا بيع المال ولم يذكر الثّمن حقيقة، كأن يقول البائع للمشتري: بعتك هذا المال مجّانا أو بلا بدل فيقول المشتري: قبلت، فهذا البيع باطل. وإذا لم يذكر الثّمن حكما، كأن يقول إنسان لآخر: بعتك هذا المال بالألف الّتي لك في ذمّتي، فيقبل المشتري، مع كون المتعاقدين يعلمان أن لا دين، فالبيع في مثل هذه الصّورة باطل أيضا، ويكون الشّيء هبة في الصّورتين. وإذا كان الثّمن مسكوتا عنه حين البيع فالبيع فاسد وليس بباطل، لأنّ البيع المطلق يقتضي المعاوضة، فإذا سكت البائع عن الثّمن كان مقصده أخذ قيمة المبيع، فكأنّه يقول: بعت ما لي بقيمته، وذكر القيمة مجملة يجعل الثّمن مجهولا فيكون البيع فاسدا. وبيع التّعاطي صحيح عند الجمهور لأنّ الثّمن والمثمّن معلومان، فيه والتّراضي قائم بينهما ولو لم توجد فيه صفة. وعند المالكيّة والشّافعيّة لا ينعقد البيع إلاّ بتسمية الثّمن. قال ابن رشد في المقدّمات عند الكلام على الصّداق: الصّداق نحلة من اللّه تعالى فرضها للزّوجات على أزواجهنّ، لا عن عوض، ولهذا لم يفتقر عقد النّكاح إلى تسمية، ولو كان الصّداق ثمنا للبضع حقيقة لما صحّ النّكاح دون تسمية، كالبيع الّذي لا ينعقد إلاّ بتسمية الثّمن. وفي المجموع قال النّوويّ: يشترط في صحّة البيع أن يذكر الثّمن في حال العقد، فيقول: بعتك كذا بكذا، فإن قال: بعتك هذا، واقتصر على هذا، فقال المخاطب: اشتريت أو قبلت لم يكن هذا بيعا بلا خلاف، ولا يحصل به الملك للقابل على المذهب، وبه قطع الجمهور، وقيل: فيه وجهان أصحّهما هذا، والثّاني: يكون هبة. وقال السّيوطيّ: إذا قال: بعتك بلا ثمن، أو لا ثمن لي عليك، فقال: اشتريت وقبضه فليس بيعا، وفي انعقاده هبة قولا تعارض اللّفظ والمعنى، وإذا قال البائع: بعتك ولم يذكر ثمنا، فإن راعينا المعنى انعقد هبة، أو اللّفظ فهو بيع فاسد. وأمّا عند الحنابلة فقد جاء في الإنصاف: يشترط معرفة الثّمن حال العقد على الصّحيح من المذهب وعليه الأصحاب، واختار الشّيخ ابن تيميّة صحّة البيع وإن لم يسمّ الثّمن، وله ثمن المثل كالنّكاح.
7 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط في الثّمن لانعقاد البيع: أن يكون مالا متقوّماً. لأنّ البيع هو مبادلة المال بالمال بالتّراضي. والمال هو ما يميل إليه الطّبع ويمكن ادّخاره لوقت الحاجة، والماليّة إنّما تثبت بتموّل النّاس كافّة أو بعضهم. والتّقوّم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعاً. فما يكون مباح الانتفاع بدون تموّل النّاس لا يكون مالا، كحبّة حنطة. وما يكون مالا بين النّاس، ولا يكون مباح الانتفاع لا يكون متقوّما، كالخمر. وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما كالدّم. فالمال أعمّ من المتقوّم، لأنّ المال ما يمكن ادّخاره ولو غير مباح كالخمر، والمتقوّم ما يمكن ادّخاره مع الإباحة. فالخمر مال غير متقوّم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنا، وإنّما لم ينعقد أصلا بجعلها مبيعا، لأنّ الثّمن غير مقصود بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثّمن فبهذا الاعتبار صار الثّمن من جملة الشّروط بمنزلة آلات الصّنّاع. ومن هذا قال في البحر: البيع وإن كان مبناه على البدلين، لكنّ الأصل فيه المبيع دون الثّمن، ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثّمن، وينفسخ بهلاك المبيع دون الثّمن. والتّقوّم في الثّمن شرط صحّة، وفي المبيع شرط انعقاد. وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ من شرط الثّمن: أن يكون مالا طاهرا، فلا يصحّ ما نجاسته أصليّة كجلد الميتة والخمر لخبر الصّحيحين: «أنّه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وقال: إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام». وقيس عليها ما في معناها. ولا يصحّ ما هو متنجّس لا يقبل التّطهير كسمن ولبن تنجّس. وأن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيّا ولو في المال كالبهيمة الصّغيرة. فلا يصحّ بيع ما لا نفع فيه، لأنّه لا يعدّ مالا، كالحشرات الّتي لا نفع فيها. وذهب الحنابلة إلى أنّ من شروط البيع أن يكون الثّمن مالاً. والمال شرعا: " ما يباح نفعه مطلقا، ويباح اقتناؤه بلا حاجة " فخرج: ما لا نفع فيه أصلا كبعض الحشرات، وما فيه منفعة محرّمة كالخمر، وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب، وما فيه منفعة تباح للضّرورة كالميتة في حال المخمصة، وخمر لدفع لقمة غصّ بها.
أنواع الأموال من حيث الثّمنيّة 8 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الأموال أربعة أنواع: أ - ثمن بكلّ حال، وهو النّقدان، صحبه الباء أو لا، قوبل بجنسه أو بغير جنسه، لأنّ الثّمن ما يثبت دينا في الذّمّة عند العرب، كذا ذكره الفرّاء، والنّقود لا تستحقّ بالعقد إلاّ دينا في الذّمّة، فكانت ثمنا بكلّ حال. ب - مبيع بكلّ حال، كالدّوابّ ونحوها من الأعيان غير المثليّة والعدديّات المتفاوتة، لأنّ العروض لا تستحقّ بالعقد إلاّ عينا فكانت مبيعة. ج - ثمن من وجه نظرا إلى أنّها مثليّة فثبتت في الذّمّة فأشبهت النّقد، ومبيع من وجه، نظرا إلى الانتفاع بأعيانها فأشبهت العروض. وذلك كالمثليّات غير النّقدين من المكيل والموزون والعدديّ المتقارب كالبيض. فإنّه إن كان معيّنا في العقد كان مبيعا، وإن لم يكن معيّنا وصحبه الباء، وقوبل بالمبيع فهو ثمن. وإن لم يصحبه حرف الباء ولم يقابله ثمن فهو مبيع، لأنّ المكيل والموزون غير النّقدين يستحقّ بالعقد عينا تارة، ودينا أخرى، فكان ثمنا في حال، مبيعا في حال. د - ثمن بالاصطلاح، وهو سلعة في الأصل كالفلوس. فإن كان رائجا كان ثمنا، وإن كان كاسدا فهو سلعة مثمّن. والحاصل - كما قال الحصكفيّ وابن عابدين - إنّ المثليّات تكون ثمنا إذا دخلتها الباء ولم تقابل بثمن، أي: بأحد النّقدين، سواء تعيّنت أو لا. وكذا إذا لم تدخلها الباء، ولم تقابل بثمن وتعيّنت. وتكون مبيعا إذا قوبلت بثمن مطلقا، أي: سواء دخلتها الباء أو لا، تعيّنت أو لا. وكذا إذا لم تقابل بثمن ولم يصحبها الباء ولم تعيّن، كبعتك كرّ حنطة بهذا العبد. وقال الكاسانيّ: الفلوس الرّائجة إن قوبلت بخلاف جنسها فهي أثمان، وكذا إن قوبلت بجنسها متساوية في العدد. وإن قوبلت بجنسها متفاضلة في العدد فهي مبيعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمّد هي أثمان على كلّ حال. وقريب منه الأصحّ عند الشّافعيّة وهو أنّ الثّمن النّقد إن قوبل بغيره للعرف، فإن كان العوضان نقدين أو عرضين فالثّمن ما التصقت به باء الثّمنيّة والمثمّن ما يقابله. وقال المالكيّة: إنّ كلّا من العوضين ثمن للآخر ومثمّن، ولا مانع من كون النّقود مبيعة، لأنّ كلّا من العوضين مبيع بالآخر، لكن جرى العرف أنّه إذا كان أحد العوضين دنانير أو دراهم والعوض الثّاني شيئا من المثمّنات، عرضا أو نحوه، أنّ الثّمن هو الدّنانير والدّراهم وما عداهما مثمّنات. وذهب الحنابلة إلى أنّ الثّمن يتميّز عن المثمّن بباء البدليّة، ولو أنّ أحد العوضين نقد. فما دخلت عليه الباء فهو ثمن، فدينار بثوب: الثّمن الثّوب، لدخول الباء عليه.
تعيّن الثّمن بالتّعيين 9 - اختلف الفقهاء في تعيّن الأثمان بالتّعيين في العقد على قولين: القول الأوّل: إنّ النّقود لا تتعيّن بالتّعيين، فإذا اشترى بهذا الدّرهم فله دفع درهم غيره. وهذا هو مذهب الحنفيّة - إلاّ زفر - ورواية عن أحمد وهو مشهور مذهب مالك إلاّ إن كان العاقد من ذوي الشّبهات. وللحنفيّة تفصيل في تعيّن الأثمان. فالأثمان النّقديّة الرّائجة لا تتعيّن بالتّعيين في عقود المعاوضات كالبيع والإجارة. أمّا في غير المعاوضات كالأمانة والوكالة والشّركة والمضاربة والغصب فإنّها تتعيّن بالتّعيين، لأنّها لم تكن وسائل لغيرها بل تكون مقصودة بالذّات، فإذا هلك رأس مال أحد الشّريكين قبل الشّراء وقبل الخلط تنفسخ الشّركة. أمّا إذا كانت الأثمان في المعاوضات من غير النّقود، فإنّها تتعيّن بالتّعيين، لأنّها إذا عيّنت تكون مبيعة من وجه ومقصودة بالذّات. أمّا الفلوس والدّراهم الّتي غالبها الغشّ: فإن كانت رائجة فلا تتعيّن بالتّعيين، لكونها أثمانا بالاصطلاح، فما دام ذلك الاصطلاح موجودا لا تبطل الثّمنيّة، لقيام المقتضي. وإن كانت غير رائجة فتتعيّن بالتّعيين، لزوال المقتضي للثّمنيّة وهو الاصطلاح، وهذا لأنّها في الأصل سلعة، وإنّما صارت أثمانا بالاصطلاح،فإذا تركوا المعاملة بها رجعت إلى أصلها. كما أنّ المالكيّة استثنوا الصّرف والكراء ففيهما تتعيّن النّقود بالتّعيين، ووجه القول بأنّ الأثمان النّقديّة وهي الذّهب والفضّة لا تتعيّن بالتّعيين في عقود المعاوضات، أنّ المبيع في الأصل اسم لما يتعيّن بالتّعيين، والثّمن في الأصل ما لا يتعيّن بالتّعيين. فالمبيع والثّمن من الأسماء المتباينة الواقعة على معان مختلفة. فالدّراهم والدّنانير على هذا الأصل أثمان لا تتعيّن في عقود المعاوضات في حقّ الاستحقاق وإن عيّنت، حتّى لو قال: بعت منك هذا الثّوب بهذه الدّراهم أو بهذه الدّنانير كان للمشتري أن يمسك المشار إليه ويردّ مثله. ولكنّها تتعيّن في حقّ ضمان الجنس والنّوع والصّفة والقدر، حتّى يجب عليه ردّ مثل المشار إليه جنسا ونوعا وقدرا وصفة، ولو هلك المشار إليه لا يبطل العقد. 10 - والثّمن في اللّغة اسم لما في الذّمّة، هكذا نقل عن الفرّاء، وهو إمام في اللّغة، ولأنّ أحدهما يسمّى ثمنا، والآخر مبيعا في عرف اللّغة والشّرع، واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل، إلاّ أنّه يستعمل أحدهما مكان صاحبه توسّعا ; لأنّ كلّ واحد منهما يقابل صاحبه، فيطلق اسم أحدهما على الآخر لوجود معنى المقابلة، كما يسمّى جزاء السّيّئة سيّئة، وجزاء الاعتداء اعتداء. وإذا كان الثّمن اسما لما في الذّمّة لم يكن محتملا للتّعيين بالإشارة، فلم يصحّ التّعيين حقيقة في حقّ استحقاق العين، فجعل كناية عن بيان الجنس المشار إليه ونوعه وصفته وقدره، تصحيحا لتصرّف العاقل بقدر الإمكان. ولأنّ التّعيين غير مفيد، لأنّ كلّ عوض يطلب من المعيّن في المعاوضات يمكن استيفاؤه من مثله، فلم يكن التّعيين في حقّ استحقاق العين مفيدا فيلغو في حقّه، ويعتبر في بيان حقّ الجنس والنّوع، والصّفة والقدر، لأنّ التّعيين في حقّه مفيد. ولأنّه يجوز إطلاق الدّراهم والدّنانير في العقد، فلا تتعيّن بالتّعيين فيه، كالمكيال والصّنجة. ويستثني الحنفيّة والمالكيّة من هذا الحكم الصّرف فتتعيّن الدّراهم والدّنانير بالتّعيين فيه لاشتراط القبض فيه في المجلس واستثنى بعضهم أيضا الكراء. القول الثّاني: الأثمان تتعيّن بالتّعيين: 11 - فيتعيّن المشار إليه، حتّى يستحقّ البائع على المشتري الدّراهم المشار إليها، كما في سائر الأعيان المشار إليها، ولو هلك قبل القبض يبطل العقد، كما لو هلك سائر الأعيان، ولا يجوز استبداله. وهو قول الشّافعيّة والأظهر عند الحنابلة وزفر من الحنفيّة. ووجه هذا القول: أنّ المبيع والثّمن يستعملان استعمالا واحدا - فهما من الأسماء المترادفة الواقعة على مسمّى واحد، وإنّما يتميّز أحدهما عن الآخر في الأحكام بحرف الباء - قال تعالى: {ولا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنَاً قَلِيلاً} سمّى تعالى المشترى وهو المبيع ثمنا، فدلّ على أنّ الثّمن مبيع، والمبيع ثمن. ولهذا جاز أن يذكّر الشّراء بمعنى البيع، يقال: شريت الشّيء بمعنى بعته، قال تعالى: {وَشَرَوه بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ} أي: وباعوه، ولأنّ ثمن الشّيء قيمته، وقيمة الشّيء ما يقوم مقامه. ولهذا سمّي قيمة لقيامه مقام غيره. والثّمن والمثمّن كلّ واحد منهما يقوم مقام صاحبه، فكان كلّ واحد منهما ثمناً ومبيعاً. دلّ على أنّه لا فرق بين الثّمن والمبيع في اللّغة. والمبيع يحتمل التّعيّن بالتّعيين فكذا الثّمن، إذ هو مبيع. ولأنّ الثّمن عوض في عقد، فيتعيّن بالتّعيين كسائر الأعواض.
ما يحصل به التّعيين 12 - يحصل التّعيين بالإشارة، سواء أضمّ إليها الاسم أم لا، كقوله: بعتك هذا الثّوب بهذه الدّراهم، أو بهذه فقط، من غير ذكر الدّراهم. أو بعتك هذا بهذا من غير تسمية العوضين. ويحصل التّعيين أيضا بالاسم كبعتك داري بموضع كذا، أو بما في يدي أو كيسي من الدّراهم أو الدّنانير، وهما يعلمان ذلك.
13 - يشترط أن يكون الثّمن المعيّن مملوكا للمشتري. وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء، وملك المشتري يكون وقت العقد ملكا تامّا، لا حقّ لغيره فيه. لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك»، وهو يفيد أن يكون المبيع مملوكا لبائعه. والثّمن المعيّن مثل المبيع في هذا الحكم.
14 - يشترط في الثّمن المعيّن أن يكون مقدور التّسليم، وهذا متّفق عليه بين الفقهاء، لأنّ ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم، والمعدوم لا يصحّ أن يكون ثمنا. فلا يصحّ أن يكون الطّير في الهواء ثمنا، وكذا الجمل الشّارد الّذي لا يقدر على تسليمه. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر». قال الماورديّ: والغرر ما تردّد بين متضادّين أغلبهما أخوفهما. وقيل: ما انطوت عنّا عاقبته... والمبيع ومثله الثّمن المعيّن إذا لم يقدر على تسليمه داخل في الغرر المنهيّ عنه.
15 - قال الحنفيّة: الثّمن إمّا أن يكون مشارا إليه أو غير مشار إليه. فإن كان مشارا إليه فلا حاجة إلى معرفة مقداره وصفته في جواز البيع. (والقدر: كخمسة أو عشرة دراهم أو أكرار حنطة. والصّفة: كعشرة دنانير كويتيّة أو أردنيّ، وكذا حنطة بحيريّة أو صعيديّة). فإذا قال: بعتك هذه الصّبرة من الحنطة بهذه الدّراهم الّتي في يدك وهي مرئيّة له فقبل جاز ولزم، لأنّ الإشارة أبلغ طرق التّعريف، وجهالة وصفه وقدره بعد ذلك لا تفضي إلى المنازعة المانعة من التّسليم والتّسلّم اللّذين أوجبهما عقد البيع فلا يمنع الجواز، لأنّ العوضين حاضران. وهذا بخلاف الرّبويّ إذا بيع بجنسه، حيث لا يجوز جزافا، لاحتمال الرّبا لأنّ عدم تحقّق التّماثل يعتبر بمثابة العلم بالتّفاضل، وبخلاف رأس مال السّلم، حيث لا يجوز إذا كان من المقدّرات، إلاّ أن يكون معروف القدر عند أبي حنيفة. ووافق الحنابلة الحنفيّة في ذلك قال ابن قدامة: " ولا فرق بين الأثمان والمثمّنات في صحّة بيعها جزافا ". فذهبوا إلى صحّة البيع إذا عقد على ثمن بوزن صنجة وملء كيل مجهولين عرفا، وعرفهما المتعاقدان بالمشاهدة، كبعتك هذه الدّار بوزن هذا الحجر فضّة، أو بملء هذا الوعاء أو الكيس دراهم. وذهبوا أيضا إلى صحّة البيع بصبرة مشاهدة من برّ أو دراهم ونحوها، ولو لم يعلما كيلها ولا وزنها ولا عدّها. ونحو هذا القول مذهب الشّافعيّة، قال الشّيرازيّ: إن باعه بثمن معيّن جزافا جاز لأنّه معلوم بالمشاهدة، ويكره ذلك لأنّه يجهل قدره على الحقيقة. أمّا المالكيّة فقد ذهبوا إلى عدم جواز بيع النّقد أي الذّهب والفضّة جزافا إذا كان مسكوكا، وكان التّعامل به بين النّاس بالعدد وحده أو مع الوزن، لقصد أفراده. أمّا إذا لم يكن النّقد مسكوكا سواء تعاملوا به وزنا أو عددا جاز بيعه جزافا، لعدم قصد آحاده. 16 - أمّا إن كان الثّمن غير مشار إليه فاتّفق الفقهاء على أنّه لا يصحّ به العقد، إلاّ أن يكون معلوم القدر والصّفة، لأنّ جهالته تفضي إلى النّزاع المانع من التّسليم والتّسلّم، فيخلو العقد عن الفائدة، وكلّ جهالة تفضي إليه يكون مفسدا. والصّفة إذا كانت مجهولة تتحقّق المنازعة في وصفها، فالمشتري يريد دفع الأدون، والبائع يطلب الأرفع. فلا يحصل مقصود شرعيّة العقد، وهو دفع الحاجة بلا منازعة. فالعلم بالثّمن علما مانعا من المنازعة من شروط صحّة البيع عندهم. 17 - وبناء على هذا صرّح الحنفيّة بأنّه. أ - لا يجوز بيع الشّيء بقيمته. فإذا باعه بقيمته فالبيع فاسد، لأنّه جعل ثمنه قيمته، والقيمة تختلف باختلاف تقويم المقوّمين، فكان الثّمن مجهولا. ب - ولا يجوز بيع الشّيء بما حلّ به، أو بما تريد، أو تحبّ، أو برأس ماله، أو بما اشتراه، أو بمثل ما اشترى فلان. فإن علم المشتري بالقدر في المجلس فرضيه انقلب جائزا. - وكذلك لا يجوز بألف درهم إلاّ دينارا، أو بمائة دينار إلاّ درهما. - وكذا لا يجوز بمثل ما يبيع النّاس، إلاّ أن يكون شيئا لا يتفاوت كالخبز واللّحم. - وكذا إذا باع بحكم المشتري، أو بحكم فلان ; لأنّه لا يدري بماذا يحكم فلان فكان الثّمن مجهولا. 18 - ج - وصرّح الحنابلة أيضا بأنّه وإن باعه بما ينقطع السّعر به، أو بمثل ما باع به فلان، وهما لا يعلمانه أو أحدهما، لم يصحّ، لأنّه مجهول. د - وإن باعه سلعة بألف درهم ذهبا وفضّة لم يصحّ، لأنّه مجهول، لأنّ مقدار كلّ واحد منهما من الألف مجهول، أشبه ما لو قال بمائة بعضها ذهب، ولأنّه بيع غرر، فيدخل في عموم النّهي عن بيع الغرر. هـ - ولا يجوز بيع الشّيء برقمه،والمراد الثّمن لا يعلم به المشتري حتّى ينظره بعد العقد. وهذا قول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة. والرّقم: علامة يعلم بها مقدار ما وقع البيع به من الثّمن. والبيع بالرّقم فاسد، لأنّ فيه زيادة جهالة تمكّنت في صلب العقد، وهي جهالة الثّمن، لأنّها برقم لا يعلمه المشتري، فصار بمنزلة القمار، للخطر الّذي فيه أنّه سيظهر كذا وكذا. وإن علم ذلك في المجلس جاز العقد، وإن تفرّقا قبل العلم بطل. وكان الإمام شمس الأئمّة الحلوانيّ يقول: وإن علم بالرّقم في المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزا، ولكن إن كان البائع دائما على ذلك الرّضا ورضي به المشتري في المجلس ينعقد بينهما عقد ابتداء بالتّراضي. وورد في المغني لابن قدامة: " قال أحمد: ولا بأس أن يبيع بالرّقم. ومعناه: أن يقول: بعتك هذا الثّوب برقمه، وهو الثّمن المكتوب عليه إذا كان معلوما لهما حال العقد. وهذا قول عامّة الفقهاء، وكرهه طاوس ولنا أنّه بيع بثمن معلوم فأشبه ما لو ذكر مقداره، أو ما لو قال: بعتك هذا بما اشتريته به وقد علما قدره. فإن لم يكن معلوما لهما أو لأحدهما لم يصحّ ; لأنّ الثّمن مجهول ". إذن فالحكم بجوازه هنا بناء على هذا التّفسير الّذي يفيد أنّ الثّمن معلوم. أمّا إذا لم يكن معلوما حسب التّفسير المتقدّم فالبيع باطل، ولا خلاف عندئذ. و - بيع صبرة طعام، كلّ قفيز بدرهم: 19 - اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال: القول الأوّل: لا يصحّ البيع. وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة وبعض الشّافعيّة، بحجّة: أنّه لا يعلم مبلغ الثّمن والمثمّن حال العقد، وإنّما يعلم بعد الكيل. القول الثّاني: يجوز البيع في قفيز واحد، إلاّ أن يسمّي جملة قفزانها. وهو قول الإمام أبي حنيفة، بحجّة: أنّ صرف اللّفظ إلى الكلّ متعذّر، لجهالة البيع والثّمن جهالة تفضي إلى المنازعة، لأنّ البائع يطلب تسليم الثّمن أوّلا، والثّمن غير معلوم، فيقع النّزاع. وإذا تعذّر الصّرف إلى الكلّ صرف إلى الأقلّ، وهو معلوم، إلاّ أن تزول الجهالة في المجلس بتسمية جميع القفزان أو بالكيل في المجلس فيجوز، لأنّ ساعات المجلس بمنزلة ساعة واحدة. القول الثّالث: يجوز البيع في الكلّ، أي: وإن لم يعلما قدر قفزانها حال العقد. وهو قول أبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وجمهور الشّافعيّة. واستدلّوا بما يلي: 1 - أنّ المبيع معلوم بالمشاهدة، والثّمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلّق بالمتعاقدين، وهو كيل الصّبرة، فجاز كما لو باع ما رأس ماله اثنان وسبعون، لكلّ ثلاثة عشر درهم، فإنّه لا يعلم في الحال، وإنّما يعلم بالحساب، كذا هاهنا. 2 - أنّ المبيع معلوم بالمشاهدة، والثّمن معلوم قدر ما يقابل كلّ جزء من المبيع فصحّ كالأصل المذكور، والغرر منتف في الحال، لأنّ ما يقابل كلّ صاع معلوم القدر حينئذ. فغرر الجهالة ينتفي بالعلم بالتّفصيل. كما ينتفي بالعلم بالجملة، فإذا جاز بالعلم بالجملة جاز بالعلم بالتّفصيل أي: لا يضرّ الجهل بحملة الثّمن لأنّه معلوم بالتّفصيل، والغرر مرتفع به، كما إذا باع بثمن معيّن جزافا. 3 - لأنّ إزالة الجهالة بيدهما، فترتفع بكيل كلّ منهما، وما كان كذلك فهو غير مانع. وانظر أيضا (بيع الجزاف). ز - لا يجوز البيع إلاّ بثمن معلوم الصّفة: 20 - لذلك نصّ الحنفيّة على أنّ: من أطلق الثّمن في البيع عن ذكر الصّفة دون القدر، كأن قال: اشتريت بعشرة دراهم، ولم يقل بخاريّة أو سمرقنديّة، وقع العقد على غالب نقد البلد، أي ينصرف إلى المتعامل به في بلده. وبه قال الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة. وحجّة هذا القول: أنّ المعلوم بالعرف كالمعلوم بالنّصّ، لا سيّما إذا كان فيه تصحيح تصرّفه. ويبني الحنفيّة على هذه القاعدة أنّه إن كانت النّقود مختلفة في الماليّة كالذّهب المصريّ والمغربيّ، فإنّ المصريّ أفضل في الماليّة من المغربيّ، وكانت متساوية في الرّواج، فالبيع فاسد، لأنّ مثل هذه الجهالة مفضية إلى المنازعة، فالمشتري يريد دفع الأنقص ماليّة، والبائع يريد أخذ الأعلى، فيفسد البيع إلاّ أن ترفع الجهالة ببيان أحدهما في المجلس ويرضى الآخر، لارتفاع المفسد قبل تقرّره. - وإذا كانت النّقود مختلفة في الرّواج والماليّة صحّ البيع وانصرف إلى الأروج. - وإذا كانت مختلفة في الرّواج مستوية في الماليّة صحّ البيع وانصرف إلى الأروج أيضا تحرّيا للجواز. - أمّا إذا استوت في الرّواج والماليّة، وإنّما الاختلاف في الاسم كالمصريّ والدّمشقيّ، فيصحّ البيع ويتخيّر المشتري في أن يؤدّي أيّهما شاء، لأنّه لا منازعة فيها. فالحاصل: أنّ المسألة على أربعة أوجه لأنّ النّقود إمّا أن تستوي في الرّواج والماليّة معا، أو تختلف فيهما، أو يستوي في أحدهما دون الآخر. والفساد في صورة واحدة: وهي: الاستواء في الرّواج والاختلاف في الماليّة، والصّحّة في الثّلاث الباقية. وهذه الصّورة الفاسدة ذكرها المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة. وقال المالكيّة: إن تعدّدت السّكك في البلد ولم يبيّن، فإن اتّحدت رواجا قضاه من أيّها شاء وإن اختلفت قضاه من الغالب إن كان، وإلاّ فسد البيع لعدم البيان. وعبارة الشّربينيّ الشّافعيّ: إذا كان في البلد نقدان ولم يغلب أحدهما أو غلب أحدهما واختلفت القيمة اشترط التّعيين لفظا لاختلاف الغرض باختلافهما. وعند الحنابلة: إن باع بدينار مطلق غير معيّن ولا موصوف وفي البلد نقود مختلفة من الدّنانير كلّها رائجة لم يصحّ البيع.
21 - يجوز البيع بثمن حالّ، أو مؤجّل إذا كان الأجل معلوما، بدليل: 1 - إطلاق قوله تعالى: {وأَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ} فشمل ما بيع بثمن حالّ وما بيع بثمن مؤجّل. 2 - عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: «اشترى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من يهوديّ طعاماً إلى أجل ورهنه درعا من حديد». قال في السّراج الوهّاج: إنّ الحلول مقتضى العقد وموجبه، والأجل لا يثبت إلاّ بالشّرط. فإذا باع بثمن حالّ ثمّ أجّله صحّ ; لأنّه حقّه. وهذا عند الحنفيّة. وكذلك عند المالكيّة: إن بيع على شرط النّقد أي تعجيل الثّمن ثمّ تراضيا على تأجيله وجب عليه في المرابحة بيان الأجل، فيفهم منه لزوم الأجل الّذي تراضيا عليه. قالوا: لأنّ اللّاحق للعقد كالواقع فيه. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الزّيادة في الأجل إن كانت في مدّة الخيارين - خيار المجلس أو خيار الشّرط - لحقت بأصل العقد، أمّا بعد لزوم البيع، فإنّ الزّيادة في الأجل لا تلحق ولكن يندب الوفاء بها، وكذلك تأجيل الدّين الحالّ. ودليل وجوب كون الأجل معلوما: 1 - أنّ جهالته تفضي إلى المنازعة، فتكون مانعة من التّسلّم والتّسليم الواجبين بالعقد، فربّما يطالب البائع في مدّة قريبة والمشتري يؤخّر إلى بعيدها. 2 - ولأنّه عليه الصلاة والسلام في موضع شرط الأجل وهو السّلم أوجب فيه التّعيين، حيث قال: «من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» فيقاس عليه تأجيل الثّمن. 3 - وعلى كلّ ذلك انعقد الإجماع. 22 - وقد نصّ الحنفيّة على أنّ من شروط صحّة البيع معلوميّة الأجل في البيع المؤجّل ثمنه. فإن كان مجهولا فهو فاسد. ومن جهالة الأجل: أ - ما إذا باعه بألف على أن يؤدّي إليه الثّمن في بلد آخر. ولو قال: إلى شهر على أن تؤدّي الثّمن في بلد آخر جاز بألف إلى شهر. ويبطل شرط الإيفاء في بلد آخر، لأنّ تعيين مكان الإيفاء فيما لا حمل له ولا مؤنة لا يصحّ. فلو كان له حمل ومؤنة صحّ. ومنه: على قول محمّد: ما إذا باعه على أن يدفع إليه المبيع قبل أن يدفع الثّمن، فإنّ البيع فاسد. لأنّ محمّدا رحمه الله علّله بتضمّنه أجلا مجهولا. حتّى لو سمّى الوقت الّذي يسلّم إليه فيه المبيع جاز البيع. وأمّا أبو يوسف فإنّما علّله بالشّرط الّذي لا يقتضيه العقد. ب - وذكر المالكيّة أنّ جهالة الأجل هي من الغرر في الثّمن، ومثّلوا له: بأن يبيع منه السّلعة بثمن إلى قدوم زيد أو إلى موته. قال ابن رشد: فإذا باع الرّجل السّلعة بثمن مجهول أو إلى أجل مجهول فسخ على كلّ حال في القيام والفوات، شاء المتبايعان أو أبيا. ج - وقال الشّافعيّة: إن باع بثمن مؤجّل لم يجز إلى أجل مجهول، كالبيع إلى العطاء، لأنّه عوض في بيع، فلم يجز إلى أجل مجهول كالمسلّم فيه. د - وعند الحنابلة لا يصحّ اشتراط تأجيل الثّمن إلى أجل مجهول، ويبطل الشّرط ويصحّ العقد، وللمشتري حقّ الفسخ ; لفوات غرضه بفساد الشّرط.
23 - إذا اختلفا في الأجل فالقول لمن ينفيه وهو البائع، لأنّ الأصل عدمه وهو الحلول. وإذا اختلفا في قدره، فالقول لمدّعي الأقلّ لإنكاره الزّيادة. والبيّنة في المسألتين على المشتري، لأنّه يثبت خلاف الظّاهر، والبيّنات للإثبات. وإن اتّفقا على قدره، واختلفا في مضيّه فالقول للمشتري أنّه لم يمض، والبيّنة بيّنته أيضا. لأنّهما لمّا اتّفقا على الأجل فالأصل بقاؤه، فكان القول للمشتري في عدم مضيّه، ولأنّه منكر توجّه المطالبة، وهو ظاهر. وأمّا تقديم بيّنته على بيّنة البائع فعلّله في البحر عن الجوهرة بأنّ البيّنة مقدّمة على الدّعوى. قال ابن عابدين: " وهو مشكل، فإنّ شأن البيّنة إثبات خلاف الظّاهر، وهو هنا دعوى البائع على أنّ بيّنة المشتري على عدم المضيّ شهادة على النّفي، وقد يجاب عن الثّاني بأنّه إثبات في المعنى، لأنّ المعنى أنّ الأجل باق. وحينئذ فوجه تقديم بيّنته كونها أكثر إثباتا، ويدلّ له ما سيأتي في السّلم من أنّهما لو اختلفا في مضيّ الأجل فالقول للمسلّم إليه بيمينه. وإن برهنا فبيّنته أولى، وعلّله في البحر بإثباتها زيادة الأجل. قال: فالقول قوله والبيّنة بيّنته ". وانظر لاستكمال مباحث الأجل مصطلح (أجل).
24 - يعتبر البلد الّذي جرى فيه البيع، لا بلد المتبايعين. فإن باع عينا من رجل بأصفهان بكذا من الدّنانير، فلم ينقد الثّمن حتّى وجد المشتري ببخارى، يجب عليه الثّمن بعيار أصفهان. فيعتبر مكان العقد. قال ابن عابدين: وتظهر ثمرة ذلك إذا كانت ماليّة الدّينار مختلفة في البلدين، وتوافق العاقدان على أخذ قيمة الدّينار لفقده أو كساده في البلدة الأخرى، فليس للبائع أن يلزمه بأخذ قيمته الّتي في بخارى إذا كانت أكثر من قيمته الّتي في أصفهان. وهذا قول الحنفيّة. واعتبار مكان العقد قال به المالكيّة والشّافعيّة في الأصحّ عندهم. وكما يعتبر مكان العقد يعتبر زمنه أيضاً، فلا يعتبر زمن الإيفاء، لأنّ القيمة فيه مجهولة وقت العقد. وفي البحر عن شرح المجمع: لو باعه إلى أجل معيّن، وشرط أن يعطيه المشتري أيّ نقد يروج يومئذ كان البيع فاسداً.
25 - بعد تمام العقد قد يرى البائع أو المشتري أنّه مغبون في الصّفقة، أو يرى تعديلها لمصلحة الآخر لسبب ما، فيجوز الزّيادة أو الحطّ في أحد العوضين اتّفاقاً. واختلف الفقهاء في الزّيادة والحطّ، هل يلتحقان بأصل العقد ؟ على ثلاثة اتّجاهات: 26 - الاتّجاه الأوّل: مذهب المالكيّة والحنفيّة عدا زفر أنّ الزّيادة في الثّمن والحطّ منه أو الزّيادة في المبيع تلحق بالعقد وتأخذ حكم الثّمن. فإذا اشترى عينا بمائة ثمّ زاد عشرة مثلا، أو باع عينا بمائة، ثمّ زاد على المبيع شيئا، أو حطّ بعض الثّمن جاز والتحقت الزّيادة أو الحطّ بأصل العقد. ويتعلّق الاستحقاق بجميع ذلك، من المزيد عليه والزّيادة، فيكون للبائع حبس المبيع إلى أن يستوفي الزّيادة إذا كان الثّمن حالّا، وليس للمشتري أن يمنع الزّيادة، ولا مطالبة البائع بتسليم المبيع قبل إعطائها. ولو سلّمها ثمّ استحقّ المبيع رجع بها مع أصل الثّمن. وفي صورة الحطّ: للمشتري مطالبة البائع بتسليم المبيع إذا سلّم الباقي بعد الحطّ. فالزّيادة والحطّ عند جمهور الحنفيّة يلتحقان بأصل العقد. 27 - واحتجّوا بما يلي: 1 - أنّ البائع والمشتري بالحطّ والزّيادة غيّرا العقد بتراضيهما من وصف مشروع إلى وصف مشروع، لأنّ البيع المشروع إمّا خاسر، أو رابح، أو عدل، والزّيادة في الثّمن تجعل الخاسر عدلا، والعدل رابحاً، والحطّ يجعل الرّابح عدلاً، والعدل خاسراً، وكذلك الزّيادة في المبيع. 2 - للبائع والمشتري ولاية التّصرّف برفع أصل العقد بالإقالة، فأولى أن يكون لهما ولاية التّغيير من وصف إلى وصف، لأنّ التّصرّف في صفة الشّيء أهون من التّصرّف في أصله، وصار كما إذا كان لأحد العاقدين، أو لهما خيار الشّرط، فأسقطاه أو شرطاه بعد العقد، فصحّ إلحاق الزّيادة بعد تمام العقد. وإذا صحّ يلتحق بأصل العقد، لأنّ الزّيادة في الثّمن كالوصف له، ووصف الشّيء يقوم بذلك الشّيء لا بنفسه، فالزّيادة تقوم بالثّمن لا بنفسها. 3 - ثبتت صحّة الزّيادة والحطّ شرعاً في المهر بقوله تعالى: {ولا جُنَاحَ عليكم فيما تَرَاضَيتُمْ به مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ}. فبيّن أنّهما إذا تراضيا بعد تقدير المهر على حطّ بعضه أو زيادته جاز. فهذا نظيره. 4 - روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال للوازن: «زن وأرجح» وهذا زيادة في الثّمن، وقد ندب عليه الصلاة والسلام إليها بالقول والفعل، وأقلّ أحوال المندوب إليه الجواز. 28 - واشترط الحنفيّة لجواز الزّيادة ما يأتي: 1 - القبول من الآخر، حتّى لو زاد أحدهما ولم يقبل الآخر لم تصحّ الزّيادة، لأنّ الزّيادة تمليك. 2 - اتّحاد المجلس، حتّى لو افترقا قبل القبول بطلت الزّيادة، لأنّ الزّيادة في المبيع والثّمن إيجاب البيع فيهما، فلا بدّ من القبول في المجلس كما في أصل الثّمن والمبيع. 29 - وأمّا الحطّ فلا يشترط له القبول، لأنّه تصرّف في الثّمن بالإسقاط والإبراء عن بعضه، فيصحّ من غير قبول، إلاّ أنّه يرتدّ بالرّدّ كالإبراء عن الثّمن كلّه. ولا بدّ أن يكون المعقود عليه قائما، قابلا للتّصرّف ابتداء، حتّى لا تصحّ الزّيادة في الثّمن بعد هلاكه، ويصحّ الحطّ بعد هلاك المبيع ; لأنّه إسقاط محض، والزّيادة إثبات. 29 م - الاتّجاه الثّاني: مذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّ الزّيادة في الثّمن أو الحطّ منه إن كان في زمن أحد الخيارين " خيار المجلس وخيار الشّرط " فإنّه يلتحق بالعقد وتأخذ الزّيادة أو الحطّ حكم الثّمن ; لأنّ ذلك من الثّمن فوجب إلحاقه برأس المال، وإن كانت الزّيادة أو الحطّ من الثّمن بعد لزوم العقد فإنّها لا تلحق بالعقد. 30 - الاتّجاه الثّالث: قول زفر إنّ الزّيادة والحطّ لا يصحّان على اعتبار الالتحاق بأصل العقد، بل الزّيادة برّ مبتدأ من البائع والمشتري، والحطّ إبراء عن بعض الثّمن متى ردّه يرتدّ. واستدلّ زفر بأنّ المبيع دخل في ملك المشتري بالقدر الأوّل للثّمن، فلو التحق الزّائد بالعقد صار ملكه والمشتري لم يزده بدلا عن ملكه، وهو المبيع، وكذا الثّمن دخل في ملك البائع، فلو جازت الزّيادة في المبيع كان المزيد عوضا عن ملكه أي الثّمن. 31 - ويتفرّع على الاتّجاه القائل بالتحاق الزّيادة والحطّ ما يلي: 1 - في التّولية والمرابحة، تجوز على الكلّ في الزّيادة وعلى الباقي في الحطّ، فإنّ البائع إذا حطّ بعض الثّمن عن المشتري والمشتري قال لآخر: ولّيتك هذا الشّيء وقع عقد التّولية على ما بقي من الثّمن بعد الحطّ، فكان الحطّ بعد العقد ملتحقا بأصل العقد، كأنّ الثّمن في ابتداء العقد هو ذلك المقدار، وكذلك في الزّيادة. 2 - في الشّفعة، يأخذ الشّفيع المشفوع بما بقي بعد الحطّ، ولا تلزمه الزّيادة، لأنّ فيه إبطال حقّه الثّابت بالبيع الأوّل وهما لا يملكانه. ألا ترى أنّه ينتقض جميع تصرّفات المشتري حتّى الفسخ. 3 - في استحقاق المبيع يرجع المشتري على البائع بالزّيادة، ولو أجاز المستحقّ البيع كان له أن يطالب بالزّيادة. 4 - في حبس المبيع، فله حبسه حتّى يقبض الزّيادة. 5- في هلاك الزّيادة، فلو هلكت الزّيادة قبل القبض تسقط حصّتها من الثّمن، بخلاف الزّيادة المتولّدة من المبيع حيث لا يسقط شيء من الثّمن بهلاكها قبل القبض. وينظر تفصيل المذاهب في ذلك في الموسوعة (ج / 9، ص /30، مصطلح بيع ف /56)
32 - يصحّ تصرّف البائع في الثّمن قبل قبضه عند الحنفيّة مطلقاً إذا كان التّصرّف بتمليكه ممّن عليه الدّين بعوض أو بغير عوض، ولأنّ الثّمن في الذّمّة ولا يتعيّن بالتّعيين، فلا يحتمل فيه غرر الانفساخ بالهلاك، ولأنّ الثّمن ما وجب في الذّمّة، والقبض لا يرد عليه حقيقة، وإنّما بقبض غيره مثله عينا، فيكون مضمونا عليه. قال ابن عابدين: الثّمن قسمان: تارة يكون حاضرا كما لو اشترى فرسا بهذا الإردبّ من الحنطة أو بهذه الدّراهم، فهذا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه بهبة وغيرها من المشتري وغيره. وتارة يكون دينا في الذّمّة كما لو اشترى الفرس بإردبّ حنطة في الذّمّة أو عشرة دراهم في الذّمّة فهذا يجوز التّصرّف فيه بتمليكه من المشتري فقط، لأنّه تمليك الدّين ولا يصحّ إلاّ ممّن هو عليه، ومثله القول المقابل المعتمد للشّافعيّة. واستثنى ابن نجيم من عدم جواز تمليك الدّين - ومنه الثّمن الّذي في الذّمّة - لغير من هو عليه ثلاث صور: الأولى: إذا سلّطه على قبضه، فيكون وكيلاً قابضاً. الثّانية: الحوالة. الثّالثة: الوصيّة. وعند الشّافعيّة لا يجوز التّصرّف في الثّمن المعيّن قبل قبضه. أمّا الثّمن الّذي في الذّمّة: فالمعتمد عند الشّافعيّة أنّه يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه. وعند المالكيّة يجوز التّصرّف في الثّمن قبل قبضه إلاّ إذا كان طعاما فلا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه. وعند الحنابلة إن كان الثّمن معيّنا فإن كان التّعاقد عليه بكيل، أو وزن، أو ذرع، أو عدّ فلا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه بالكيل، أو الوزن، أو الزّرع أو العدّ، وإن كان التّعاقد عليه جزافا أو لم يكن مكيلا، ولا موزونا، ولا معدودا، ولا مزروعا، جاز التّصرّف فيه قبل قبضه. وأمّا الّذي في الذّمّة فلا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه لغير من هو عليه ويصحّ بيعه وهبته لمن هو عليه.
33 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ من باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن أي نقدا بنقد سلّما معا، لاستوائهما في التّعيين في الأوّل، وعدم التّعيين في الثّاني ; ولأنّ المساواة في عقد المعاوضة مطلوبة للمتعاقدين عادة، وتحقيق المساواة هاهنا في التّسليم معا. وبنحو ذلك قال المالكيّة: فالمعقود عليه ثمن ومثمّن، فالثّمن الدّنانير والدّراهم وعدا ذلك مثمّنات، فإن وقع العقد على دنانير بدنانير أو بدراهم، أو على دراهم بدنانير أو دراهم وتشاحّا في الإقباض لم يتعيّن على أحدهما وجوب التّسليم قبل الآخر. وكذا إن وقع العقد في شيء من المثمّنات كعرض بعرض وتشاحّا في الإقباض. إلاّ أنّ العقد يفسخ بالتّراضي في القبض في الصّورة الأولى (الصّرف) ولا يفسخ في الصّورة الثّانية، لأنّ القبض شرط في الصّرف دون المقايضة. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الثّمن إذا كان معيّنا نقدا أو عرضا، يجبر البائع والمشتري كلاهما على التّسليم في الأظهر، لاستواء الجانبين، لأنّ الثّمن المعيّن كالمبيع في تعلّق الحقّ بالدّين، والتّسليم واجب عليهما، فيلزم الحاكم كلّا منهما إحضار ما عليه إليه أو إلى عدل، ثمّ يسلّم كلّا ما وجب له، والخيرة في البداية إليه. ومقابل الأظهر عدم إجبارهما. أمّا إذا لم يكن الثّمن عينا بل في الذّمّة (البيع المطلق) ففيه أربعة أقوال، المقدّم منها إجبار البائع. وبنحو ذلك قال الحنابلة: فإذا كان الثّمن عينا أو عرضا، والمبيع مثله جعل بين البائع والمشتري عدل يقبض منهما ويسلّم إليهما، لأنّه حقّ البائع قد تعلّق بعين الثّمن، كما تعلّق حقّ المشتري بعين المبيع فاستويا. وعن أحمد ما يدلّ على أنّ البائع يجبر على تسليم المبيع أوّلاً. 34 - ومن باع سلعة حاضرة بثمن في الذّمّة، فقد اختلف الفقهاء فيمن يلزمه التّسليم أوّلا على اتّجاهات: الأوّل: يلزم المشتري تسليم الثّمن أوّلا. وهو قول الجمهور " الحنفيّة والمالكيّة وأحد أقوال الشّافعيّة ". فللبائع حقّ حبس المبيع حتّى يقبض الثّمن إذا كان الثّمن حالّا، وليس للمشتري أن يمتنع من تسليم الثّمن إلى البائع حتّى يقبض المبيع، ومثله عند الحنفيّة إذا كان الثّمن نقدا معيّنا لأنّه لا يتعيّن بالتّعيين. 35 - واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «الدّين مقضيّ» فقد وصف عليه الصلاة والسلام الدّين بكونه مقضيّا عامّا أو مطلقا، فلو تأخّر تسليم الثّمن عن تسليم المبيع لم يكن هذا الدّين مقضيّا، وهذا خلاف النّصّ. واستدلّوا بالمعقول بأنّ العقد يقتضي المساواة في تعيّن حقّ كلّ واحد منهما، وحقّ المشتري قد تعيّن في المبيع، فيسلّم هو الثّمن أوّلا، ليتعيّن حقّ البائع فيه، كما تعيّن حقّه في المبيع، إذ الثّمن لا يتعيّن في هذه الصّورة إلاّ بالقبض. وصورة هذا: أن يقال للبائع أحضر المبيع ليعلم أنّه قائم، فإذا حضر قيل للمشتري: سلّم الثّمن أوّلا. 36 - وبناء على هذا القول ذهب الحنفيّة إلى أنّه: لو باع بشرط أن يدفع المبيع قبل نقد الثّمن فسد البيع، لأنّه لا يقتضيه العقد. وقال محمّد: لا يصحّ لجهالة الأجل، حتّى لو سمّى الوقت الّذي يسلّم فيه المبيع جاز. وإن كان المبيع غائبا فللمشتري أن يمتنع من تسليم الثّمن حتّى يحضر البائع المبيع، لأنّ تقديم تسليم الثّمن لتحقّق المساواة، وإذا كان المبيع غائبا لا تتحقّق المساواة بالتّقديم، بل يتقدّم حقّ البائع ويتأخّر حقّ المشتري، حيث يكون الثّمن بالقبض عينا مشارا إليها والمبيع ليس كذلك، ولأنّ من الجائز أن يكون المبيع قد هلك وسقط الثّمن عن المشتري، فلا يؤمر بالتّسليم إلاّ بعد تسليم المبيع، سواء أكان المبيع في ذلك المصر أم في موضع آخر بحيث تلحقه المؤنة بالإحضار، والمشتري إذا لقي البائع في غير مصرهما، وطلب منه تسليم المبيع، ولم يقدر عليه، يأخذ المشتري منه كفيلا أو يبعث وكيلا ينقد الثّمن له ثمّ يتسلّم المبيع. لذلك فإنّ للبائع حقّ حبس المبيع حتّى يستوفي الثّمن كلّه، ولو بقي منه درهم، إلاّ أن يكون مؤجّلا، لأنّ حقّ الحبس لا يتجزّأ، فكان كلّ المبيع محبوسا بكلّ جزء من أجزاء الثّمن. فإذا كان الثّمن مؤجّلا، فليس للبائع حقّ حبس المبيع ; لأنّه بالتّأجيل أسقط حقّه في الحبس. ولو كان بعضه حالّا وبعضه مؤجّلا، فله حبس المبيع إلى استيفاء الحالّ. ولو أبرأ المشتري من بعض الثّمن كان له حقّ الحبس حتّى يستوفي الباقي، لأنّ الإبراء كالاستيفاء. ولا يسقط حقّ حبس البائع للمبيع، ولو أخذ بالثّمن كفيلا أو رهن المشتري به رهنا، لأنّ هذا وثيقة بالثّمن فلا يسقط حقّه عن حبس المبيع لاستيفاء الثّمن. 37 - الاتّجاه الثّاني: يلزم البائع تسلّم المبيع أوّلا. وهو المذهب عند الحنابلة وأحد أقوال الشّافعيّة، لأنّ حقّ المشتري في العين وحقّ البائع في الذّمّة، فيقدّم ما يتعلّق بالعين، وهذا كأرش الجناية مع غيره من الدّيون. ولأنّ ملك البائع للثّمن مستقرّ، لأمنه من هلاكه ونفوذ تصرّفه فيه بالحوالة والاعتياض، وملك المشتري للمبيع غير مستقرّ، فعلى البائع تسليمه ليستقرّ. 38 - الاتّجاه الثّالث: أن يسلّم البائع والمشتري معا. وهو أحد أقوال الشّافعيّة. فالبائع والمشتري إذا ترافعا إلى حاكم يجبران، لأنّ التّسليم واجب عليهما، فيلزم الحاكم كلّا منهما بإحضار ما عليه إليه، أو إلى عدل، فإن فعل سلّم الثّمن للبائع والمبيع للمشتري، يبدأ بأيّهما شاء. 39 - الاتّجاه الرّابع: إذا اختلف البائع والمشتري، وترافعا إلى حاكم، فلا إجبار أوّلا، وعلى هذا يمنعهما الحاكم من التّخاصم، فمن سلّم أجبر صاحبه على التّسليم، وهو أحد أقوال الشّافعيّة. وذلك: لأنّ كلّا منهما ثبت في حقّه إيفاء واستيفاء ولا سبيل إلى تكليف الإيفاء. وتَرِدُ هذه الأقوال الأربعة عند الشّافعيّة فيما إذا كان الثّمن حالّا في الذّمّة بعد لزوم العقد. 40 - وقيّد الشّافعيّة الحبس بخوف الفوت، فقالوا: للبائع حبس مبيعه حتّى يقبض ثمنه الحالّ كلّه إن خاف فوته بلا خلاف، وكذا للمشتري حبس الثّمن المذكور إن خاف فوت المبيع بلا خلاف، لما في التّسليم حينئذ من الضّرر الظّاهر. وإنّما الأقوال السّابقة فيما إذا لم يخف البائع فوت الثّمن، وكذا المشتري إذا لم يخف فوت المبيع، وتنازعا في مجرّد الابتداء بالتّسليم، لأنّ الإجبار عند خوف الفوات بالهرب، أو تمليك المال لغيره أو نحو ذلك فيه ضرر ظاهر. أمّا الثّمن المؤجّل فليس للبائع حبس المبيع به، لرضاه بتأخيره. واستثنى الشّافعيّة أيضا ما إذا كان البائع وكيلا، أو وليّا، أو ناظر وقف، أو الحاكم في بيع مال المفلس، فإنّه لا يجبر على التّسليم بل لا يجوز له حتّى يقبض الثّمن. فلا يأتي إلاّ إجبارهما أو إجبار المشتري، ولو تبايع وليّان أو وكيلان لم يأت سوى إجبارهما.
41 - قال أبو يوسف: تبطله سواء أكانت الحوالة من المشتري، بأن أحال المشتري البائع بالثّمن على إنسان وقبل المحال عليه الحوالة، أم كانت من البائع، بأن أحال البائع غريما له على المشتري. وقال محمّد: إن كانت الحوالة من المشتري لا تبطل حقّ الحبس، وللبائع أن يحبس المبيع حتّى يستوفي الثّمن من المحال عليه. وإن كانت من البائع: فإن كانت مطلقة لا تبطله أيضا، وإن كانت مقيّدة بما عليه تبطله. فأبو يوسف أراد بقاء الحبس على بقاء الدّين في ذمّة المشتري، وذمّته برئت من دين المحيل بالحوالة، فيبطل حقّ الحبس. ومحمّد اعتبر بقاء حقّ المطالبة لبقاء حقّ الحبس، وحقّ المطالبة لم يبطل بحوالة المشتري، ألا ترى أنّ له أن يطالب المحال عليه فلم يبطل حقّ الحبس، وبطلت حوالة البائع إذا كانت مقيّدة بما على المحال عليه فبطل حقّ الحبس. قال الكاسانيّ: والصّحيح قول محمّد، لأنّ حقّ الحبس في الشّرع يدور مع حقّ المطالبة بالثّمن، لا مع قيام الثّمن في ذاته بدليل: أنّ الثّمن إذا كان مؤجّلا لا يثبت حقّ الحبس والثّمن في ذمّة المشتري قائم، وإنّما سقطت المطالبة، فدلّ ذلك على أنّ حقّ الحبس يتبع حقّ المطالبة بالثّمن لا قيام الثّمن في ذاته، وحقّ المطالبة في حوالة المشتري، وحوالة البائع إذا كانت مطلقة فكان حقّ الحبس ثابتا، وفي حوالة البائع إذا كانت مقيّدة ينقطع فلم ينقطع حقّ الحبس.
42 - أجرة كيّال المبيع ووزّانه وذرّاعه وعادّه. إن كان البيع بشرط الكيل أو الوزن أو الذّرع أو العدّ تكون على البائع. قال الدّردير: ما لم يكن شرط أو عرف بخلافه. لأنّ عليه إيفاء المبيع، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بكيله ووزنه وعدّه ولأنّه بكلّ من ذلك يميّز ملكه عن ملك غيره، ولأنّه كبائع الثّمرة الّذي عليه سقيها. وأجرة كيّال الثّمن ووزّانه وذرّاعه وعادّه تكون على المشتري، وهو قول الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، لأنّ المشتري يحتاج إلى تسليم الثّمن وتمييز صفته، فكانت مؤنته عليه، وبناء على ما تقدّم قال الصّاويّ من المالكيّة: لو تولّى المشتري الكيل أو الوزن أو العدّ بنفسه، هل له مطالبة البائع أجرة ذلك أم لا ؟ والظّاهر كما قاله الدّسوقيّ أنّ له الأجرة إذا كان شأنه ذلك أو سأله الآخر. وأجرة إحضار المبيع الغائب إلى مجلس العقد على البائع، وأجرة إحضار الثّمن الغائب على المشتري، صرّح بذلك الشّافعيّة. 43 - أمّا أجرة النّقل المحتاج إليه في تسليم المبيع المنقول فقد اختلفوا فيها على قولين: القول الأوّل: أنّها على المشتري. وهو قول الشّافعيّة ونصّ عليه الإمام أحمد، لأنّه لا يتعلّق به حقّ توفية. قالوا: وقياسه أن يكون في الثّمن على البائع. الثّاني: على حسب عرف البلدة وعادتها. وهو قول الحنفيّة على ما نصّت عليه المادّة /291 / من مجلّة الأحكام العدليّة. أمّا الأشياء المبيعة جزافا فمؤنها ومصاريفها على المشتري.. مثلا: لو بيعت ثمرة كرم جزافا كانت أجرة قطع تلك الثّمرة وجزّها على المشتري. وكذا لو بيع أنبار حنطة مجازفة فأجرة إخراج الحنطة من الأنبار ونقلها على المشتري. وهو مفاد المادّة / 290 / من مجلّة الأحكام العدليّة. وقياسه أن تكون مؤن الثّمن ومصاريفه إن كان جزافا على البائع. 44 - واختلفوا في أجرة ناقد الثّمن على الأقوال الآتية: 1 - أنّه على البائع وبه قال الشّافعيّة، وهو الّذي رواه ابن رستم عن محمّد بن الحسن، وهو المذكور في المختصر، ووجهه: أنّ النّقد يحتاج إليه بعد التّسليم، وحينئذ يكون في يد البائع وهو المحتاج إليه لاحتياجه إلى تميّز حقّه وهو الجياد عن غير حقّه، أو ليعرف المعيب ليردّه. 2 - أنّه على المشتري، وهو الّذي رواه ابن سماعة عن محمّد، وبه كان يفتي الصّدر الشّهيد لأنّه يحتاج إلى تسليم الجيّد، والجودة تعرف بالنّقد، كما يعرف المقدار بالوزن فكان هو المحتاج إليه. 3 - أنّ أجرة النّقد على ربّ الدّين بعد القبض وقبله على المدين لأنّ على المدين إيفاء حقّه، فتكون أجرة التّمييز عليه وبعد القبض دخل في ضمان ربّ الدّين، ويدّعي أنّه خلاف حقّه، فيكون تمييز حقّه عليه. هذا وهناك أحكام أخرى تتعلّق بالثّمن تنظر في مواضعها منها ما يلي: اختلاف البائع والمشتري في الثّمن (ر: دعوى). وبيع جنس الأثمان بعضه ببعض (ر: صرف). وكلّ ما أوجب نقصان الثّمن في عادة التّجّار فهو عيب: (ر: خيار العيب). والبيع بمثل الثّمن الأوّل (ر: تولية). والبيع بمثل الثّمن الأوّل مع زيادة (ر: مرابحة). والبيع بأنقص من الثّمن: (ر: وضيعة). وإشراك الغير فيما اشتراه بأن يبيعه نصفه مثلا (ر: شركة). الثّمنيّة في علّة الرّبا (ر: ربا).
انظر: استثناء، بيع الوفاء.
|